الثانية: التهمة من ترك الاستقصاء في الوصول إلى الثمن المناسب، فهنا العلتان أوجبتا المنع من أن يكون الوكيل طرفا في البيع والشراء، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة، وعن الإمام أحمد أن ذلك جائز، بشرط أن ينادي عليها ويكون المنادي غيره، ويشتريها بسعر أكثر مما وصلت إليه في المناداة، وحينئذ فتدفع التهمة المتقدمة من ترك الاستقصاء.
ولا يظهر أن هذا كاف لدفع التهمة، فإن قد يبيعها في أيام لا تصل فيه السلعة مع النداء إلى ثمنها المناسب، وإن زاد عليه كما هو معلوم في بيع السلع، فالمقصود أنه متى استقصى وجعل لها سعرها المناسب ثم زاد على ذلك فإن ذلك يكون دافعا للتهمة المتقدمة، وأما العلة الأولى وهو أن العرف أن البيع يكون بيع الرجل من غيره لا من نفسه، فالجواب عن هذا: أن مقصود الموكل يحصل بهذا البيع بل مقصوده يحصل وأعظم منه إذا باع الموكل لنفسه، فإن مقصوده أن تباع هذه السلعة بثمن مناسب لها، فإذا بيعت بهذا الثمن المناسب وزيادة فإن مقصوده يحصل بل يحصل أعظم منه، فالذي يظهر هو هذا القول، وأنه متى استقصى استقصاء ظاهرا واشتراها بأعلى مما تقف عليه سوما فإن هذا البيع صحيح، وكذلك الشراء لما تقدم، وهو رواية عن الإمام أحمد وهو قول الأوزاعي، ومثل ذلك الولي على اليتيم والحاكم، فإذا احتاج الولي إلى بيع شيء من مال موليه اليتيم ووصل سعره في السوق إلى سعر ما بعد الاستقصاء ثم اشتراه فإن هذا الشراء جائز، لعدم وجود التهمة، ولقول الله تعالى: {ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن} .
قوله [ولا يبيع بعرض ولا نسأ ولا بغير نقد البلد]