والحجر لا يثبت إلا بحكم الحاكم، وهذا قول الحنابلة وعليه فله أن يتصرف قبل حجر الحاكم عليه، وإن كان هذا التصرف يضر بغرمائه، فمثلا: رجل مدين، وقد استوفت الديون أمواله، فتصدق بشيء من ماله أو أوقفه أو أهداه أو تصرف فيه بأي شيء من التصرفات التي تضر بالغرماء فصريح كلام الحنابلة أنه ينفذ تصرفه ويصح، وإنما لا ينفذ إذا حكم الحاكم بالحجر عليه، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو رواية عن الإمام أحمد وهو اختيار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي أن الحجر يثبت قبل حكم الحاكم متى توفرت دواعيه، فإذا توفر داعي الحجر فليس له أن يتصرف ولا تنفذ تصرفاته، فإذا كان الرجل مدينا وكان في تصرفه ضرر على الدائنين فإن هذا التصرف لا ينفذ، وهذا القول هو الراجح، وذلك لما في من حفظ حقوق الناس، فلو أعتق لم ينفذ عتقه، ولو تصدق لم تنفذ صدقته وهكذا سائر الأحكام، وحكم الحاكم بالحجر لا يعدو أن يكون إظهارا لمنعه من التصرف وإلا فهو ممنوع من التصرف قبل ذلك، لأن الأحكام تدور مع عللها وجودا وعدما والعلة ثابتة قبل حكم الحاكم.
قوله [ولا يطلب بمؤجل]
وهذا ظاهر، فإن المؤجل لا يجب أداؤه إلا عند حلوله، فإذا لم يحل فإن أداءه غير واجب، وعليه فلا يطالب به لأنه ليس بواجب.
قوله [ومن ماله لا يفي بما عليه حالا وجب الحجر عليه بسؤال غرمائه أو بعضهم]
لما تقدم من حديث معاذ وأثر عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، وتقدم أن العمل عليه عند أهل العلم، فمن كان ماله لا يفي بما عليه من الديون الحالة فإنه يحجر عليه، بسؤال غرمائه أو بعضهم، لأنهم أصحاب الحق، وتقدم القول بأنه يحجر عليه قبل حكم الحاكم لتعلق حقوقهم بذلك كما هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره.
قوله [ويستحب إظهاره]
أي يستحب إعلان وإظهار ذلك، ليكون تصرف الناس معه على بصيرة، فيظهر ويبين لئلا يغتر به الناس، فيتصرفون معه تصرفا يضر بهم.