فما لا عرف له في مكة والمدينة فإنه يعتبر عرفه في موضعه، فإن كان مكيلا اعتبر، وإن كان موزونا اعتبر كذلك، فيرجع فيه إلى عرف أهل البلد، فإذا اختلف أهل البلاد فيه، فمنهم من يقول: هو مكيل، ومنهم من يقول هو موزون، فإنه يحكم بالغالب، فإن لم يكن ثمت غالب فإنه ينظر إلى شبهه بما هو مكيل أو بما هو موزون فيلحق به، فمثلا الجواهر شبيهة بالذهب والفضة فحكمها الوزن، والذرة شبيهة بالأرز فحكمها الكيل، وهذا كله على قول مرجوح في مسألة الوزن، والراجح أن الحكم راجع إلى مسألة الثمنية في الذهب والفضة، وقضية الكيل الذي يترجح أن المقصود فيها هو القياس، فسواء كان القياس بالكيل أو بالوزن فإن المقصود هو ما يعرف به التماثل، سواء كان بكيل أم بوزن، وقد تقدم قول مالك وأن العلة في الأصناف الأربعة هي الاقتيات والادخار ولم يذكر الكيل، لكن الكيل يحتاج إليه والوزن يحتاج إليه لمعرفة التماثل من عدمه.

فصل

قوله [ويحرم ربا النسيئة في بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل ليس أحدهما نقدا كالمكيلين والموزونين]

يحرم ربا النسيئة بإجماع العلماء، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: (فإذا اختلفت هذه الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد) ، والنسيئة من النساء بفتح النون وهو التأخير، فربا النسيئة في بيع كل جنسين اتفقا في علة الربا، وعلة الربا على المذهب الكيل والوزن، فلو باع بر بشعير ثبت فيه ربا النسيئة، لأن كلا منهما مكيلا، ومن باب أولى إذا باع شعيرا بشعير، وكذلك لو باع ذهبا بفضة، فهما جنسان اتفقا في علة الربا وهي الوزنية على المذهب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015