وروى البخاري ومسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا ربا إلا في نسيئة) [خ 2179، م 1596] فإن قيل: هذا الحديث مفهومه أن ربا الفضل جائز، وفي لفظ لمسلم: (إنما الربا في النسيئة) [م 1596] .

فالجواب أن يقال: لا يعارض منطوق قوله - صلى الله عليه وسلم - بمفهوم قوله، فإن حديث عبادة بن الصامت منطوقه يدل على تحريم ربا الفضل، وأما هذا الحديث المتفق عليه فمفهومه يدل على واز ربا الفضل، فلا يعارض المنطوق بالمفهوم كما هو متقرر في علم الأصول، وعليه فقوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا ربا إلا في نسيئة) أي أعظم الربا وأقبحه وأشده هو ربا النسيئة، والأمر كذلك كما إذا قيل لا عالم في المدينة إلا زيد، فلا يعني أنه ليس هناك في المدينة عالم سواه، ولكن المقصود أنه أعلم أهل المدينة، وهنا كذلك، وإنما حرم ربا الفضل لأنه ذريعة إلى ربا النسيئة، فتحريمه من باب سد الذرائع، وأما ربا السيئة فتحريمه تحريم أصلي.

وقوله (في مكيل) الكيل يكون بالصاع، والوسق، ونحو ذلك.

وقوله (وموزون) الوزن يكون بالميزان، كما يكون عندنا بالجرامات، وفي زمن متقدم بالأرطال.

وظاهر كلامه في قوله (في مكيل) أنه سواء كان الكيل مطعوما كالبر والتمر والشعير، أو كان غير مطعوم كالأشنان - وهو من المواد المنظفة -، ومثله كثير من الأدوية، فإن ك ذلك يجري في حكم ربا الفضل، والموزون كذلك سواء كان مطعوما كالسكر واللحم واللبن ونحو ذلك، أو كان غير مطعوم كالذهب وفضة، وهذا هو المذهب.

واعلم أن أهل العلم جميعا أجمعوا على تحريم الربا في الأصناف الستة المتقدمة في حديث عبادة، وهي: الذهب والفضة والبر والقمح والشعير والملك والتمر، فقد أجمعوا على تحريم ربا النسيئة فيها، وكذلك ربا الفضل في قول عامتهم كما تقدم، واختلفوا هل يقاس عليها غيرها أم لا؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015