فإذا غبن غبنا يخرج عن العادة فإن البيع يصح مع خيار الغبن، فله أن يسمك ولا أرش له، وله أن يرد، وإن اختار الإمساك فلا أرش له لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر الأرش كما في تلقي الجلب، وهو من خيار الغبن، ولذا نص فقهاء الحنابلة وغيرهم على أنه لا أرش في خيار الغبن لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكره في تلقي الجلب.
قوله [بزيادة الناجش]
فالغبن له ثلاث صور عند الحنابلة في المشهور من المذهب:
الصورة الأولى: تلقي الجلب، فإنه يثبت فيها خيار الغبن.
الصورة الثانية: زيادة الناجش، والنجش: أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها ليغر المشتري، والنجش محرم، ففي الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (نهى عن النجش) [خ 2142، م 1516] .
وقال جمهور العلماء إن البيع المسبوق بنجش بيع صحيح، وقال الظاهرية وهو رواية عن الإمام أحمد أن البيع باطل، قالوا: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه، والنهي يقتضي الفساد، والصحيح ما ذهب إليه الجمهور وأن البيع صحيح لأن النهي لا يعود إلى ذات المنهي عنه، بل إلى أمر خارج عنه، وهو النجش أي المزايدة المحرمة، ولأن الضرر الواقع على المغبون يدرأ بالخيار، فيقال له لك الخيار إن شئت أمسكت، وإن شئت رددت، ومثل ذلك ما لو قال البائع: قد اشتريتها بكذا وهو كاذب، فإن هذا من النجش، وهنا وإن كان الزائد هو البائع، فلا فرق بين أن يكون الزائد هو البائع أو غيره، لأن المقصود أن السلعة قد أعطيت غير سعرها المفترض لها ففي هذا غرر على المشتري.
قوله [والمسترسل]
وهذه هي الصورة الثالثة من صور الغبن عند الحنابلة.
والمسترسل: هو الجاهل بالقيمة، الذي لا يحسن المماكسة أي المكاسرة، فهو الذي يطمئن ولا يستوحش من هذا البيع لجهله بالقيمة، وهو لا يحسن المماكسة، ومثله البائع الجاهل بقيمة المبيع.