والقول الثاني في المسألة وهو الوجه الثاني في المذهب وقيل هو المنصوص عن الإمام أحمد أن ذلك جائز، وأن اقتران المكاتبة بالبيع لا تؤثر على البيع، فإنه أثناء البيع أصبح ممن يصح تصرفه في الجملة، قالوا: وهذا كقوله - صلى الله عليه وسلم -: (أعتقتك وجعلت عتقك صداقك) [خ 4200، م 1365] فإن الأمة لا صداق لها، وهي ملك سيدها، يطؤها من غير ما صداق، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أصدقها وأعتقها في عقد واحد صحيح، فهنا كذلك، والراجح أن مثل هذه الصيغة صحيحة، فكما أن السيد يجوز أن يبايع مكاتبه بعد ثبوت الكتابة، فكذلك يجوز له أن يبايعه أثناء الكتابة، ومعلوم أن آثار البيع إنما تترتب بعده.
* وأما البيع والصرف فمثاله أن يقول: خذ هذا الدينار وأعطني هذه السلعة وخمسة دراهم، فهذا فيه بيع وصرف، وكلاهما صحيح.
وكذلك بيع وإجارة، كأن يقول: ابتعت منك هذا الرقيق وأؤجر عليك هذا البيت بعشرة آلاف، فهنا صفقة واحدة وهي صحيحة.
ومثل ذلك لو قال: أبيعك داري وأنكك ابنتي بكذا وكذا، فالبيع والنكاح كلاهما صحيح.
ومثله البيع والخلع، كأن تقول الزوجة: أخلع نفسي منك وأشتري هذا البيت بكذا، فالبيع والخلع صحيحان، فهذه الصور كلها جائزة، لأن الأصل في المعاملات الحل، ولا دليل يدل على المنع.
** على القول بعدم جواز الجمع بين البيع والكتابة تكون المسألة من مسألة تفريق الصفقة، التي تقدم شيء من صورها، والمراد من تفريق الصفقة أن بعضها يصح، وبعضها يبطل، فإذا قال: كاتبتك وبعتك هذه الدار بعشرة آلاف دينار، وقلنا إن البيع لا يصح كما هو المشهور من المذهب، فحينئذ نقسط الثمن على العبد وعلى الدار، فنقوم العبد والدار أولا، فلو قومنا العبد بخمسمائة دينار، وقومنا الدار بألف دينار، فنسبة العبد وقسطه هو الثلث، فتكون قيمة المكاتبة نحوا من ثلاثمائة وثلاثة وثلاثين دينارا، كما تقدم.