الوجه الثاني: أنه قياس مع الفارق، فقد قستم حلي الذهب والفضة على متاع البيت المعد للاستعمال، وبينهما عندكم فارق، والفارق عند الحنابلة وغيرهم فيهما هو أنهم أوجبوا الزكاة في الحلي المعد للنفقة والمعد للكراء، فلو أن امرأة عندها حلي تبيع منه للنفقة على نفسها، فإن الزكاة تجب عليها؛ لأنه ليس بمعد للاستعمال، وإنما هو معد للنفقة، وسيأتي دليلهم على هذا، ولذلك إن أعد للكراء، كأن يكون عند امرأة ذهباً قد أعدته كلها للكراء، أي للإجارة،فإن الزكاة تجب.
وأما متاع البيت المعد للنفقة أو الكراء، فإن الزكاة لا تجب فيه عندهم، فبين المسألتين فارق، والقياس مع الفارق لا يصح.
ومما يدل على هذا: أن الكنز من الذهب والفضة تجب فيه الزكاة بنص القرآن {والذين يكنزون الذهب والفضة..} (1) ومعلوم أن الكنز ليس بمعد للنماء ومع ذلك فقد أوجب الله عز وجل فيه الزكاة.
وأما المواشي المعدة للعمل، فإنها لا تجب فيها الزكاة، وهذا أصح قياساً على هذه المسألة، فإنه لو قيس قولهم على هذا لكان أقوى من القياس المتقدم مع ضعفه.
والفارق بين الحلي من الذهب والفضة وبين البقر والإبل العوامل حيث أنها لا تجب فيها الزكاة، الفارق: أن الذهب والفضة مادة الأثمان وبهما قيام المعايش، ولاشك أن اختيارها حلياً ثم لا تجب فيها الزكاة يخالف مقصود الشارع من بقائها أثماناً للأشياء، فحيث أنها بقيت هكذا حلياً بحيث أنها لا تقع فيها هذه الأحكام الشرعية من الزكاة فقد تكون مهرباً لكثير من الناس، فتكون أثمان الناس وقيمهم.
وعموماً فإن الأدلة الشرعية قد دلت على إيجاب الزكاة فيها فلا ينظر إلى الأدلة النظرية حيث خالفت الأدلة الأثرية.