وأما جمهور العلماء فإنهم لم يروا ذلك، بل رأوا أنه لا يترك لأهل البيت شيء؛ قالوا: لعموم الأدلة التي تقدم ذكرها، كقوله: (ليس فيما دون خمسة أوسق) فدل هذا على أن من بلغ ماله خمسة أوسق فتجب عليه الزكاة.
والأظهر في الجملة ما ذهب إليه الحنابلة، فإن أدلتهم مخصصة لما تقدم، هذا أولاً.
ثانيا: لأن الزكاة إنما تتعلق به إذا كان تمراً أو زبيباً، فالتوسيق المتقدم إنما هو حيث كان تمراً وحيث كان زبيباً، وأما قبل ذلك فلا.
لكن ذهب ابن عقيل الحنبلي إلى قول – فيما يظهر لي أصح -، وإن كنا نقول بما ذهب إليه الحنابلة في الجملة أي من إخراج شيء من الرطب وشيء من العنب لصاحب.. البستان.
لكن تقديره بالربع والثلث هكذا مطلقاً فيه نظر.
بل الأظهر ما ذهب إليه ابن عقيل من الحنابلة، فإنه قال: يترك لهم بقدر ما يحتاجون إليه لأكلهم ولهديتهم بالمعروف سواء كان ربعاً أو ثلثاً أو أقل من ذلك ولو كان عشراً.
وهذا أمر ظاهر، فإن بعض الناس يملك بساتين كثيرة لا يحتاج حتى إلى عشرها أو أقل من عشرها. وقول عمر المتقدم يدل على هذا، فإنه قال: " إذا أتيت أهل بيت في حائطهم فلا تأخذ منهم قدر ما يأكلون "، فلم يقدره بالربع والثلث.
وأثر عمر رضي الله عنه أصح من الأثرين المتقدمين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولأن الأصل وجوب الزكاة في المال.
فعلى ذلك: الأظهر ما اختاره ابن عقيل من الحنابلة، وأنه إذا وجب العنب أو الرطب، فإنه يخرج منه قدراً يحتاجه أهل البيت لأكلهم وهديتهم بالمعروف سواء كان ذلك بقدر الربع أو بقدر الثلث أو بقدر الخمس أو بقدر العشر أو أقل من ذلك، ثم الباقي ينظر فيه، فإن بلغ نصاباً وجبت فيه الزكاة، وإن لم تبلغ نصاباً فلا زكاة فيه.
والحمد لله رب العالمين.
الدرس الثالث بعد المئتين
(يوم الأحد: 28 / 12 / 1415هـ)