هذه المسألة فيها تفصيل:
- فإن كانت الأموال المتفرقة من المواشي أو الحبوب والثمار ونحوها - إن كانت - ليس بينها مسافة قصر، فلا خلاف بين العلماء في إنه يضم بعضها إلى بعض. فلو أن له مثلاً مواشي في شمال بلده وفي جنوبها وفي شرقها وما بينها مسافة لا تقصر فيها الصلاة، فكلها في موضع واحد له حكم واحد من حيث قصر الصلاة، فحينئذ يضم بعضها إلى بعض؛ لأن المال مال رجل واحد، وقد صلى الله عليه وآله وسلم: (في كل أربعين من الغنم شاة) ، وهذا الرجل قد ملك أربعين أو أكثر من ذلك، فوجب عليه قدر ذلك من الزكاة، وحينئذ فلا فرق بين أن يكون ماله في موضع واحد أو في مواضع مختلفة.
فإذا كانت أمواله بينها مسافة قصر، كأن يكون له في هذه المدينة شياه، وله في مدينة أخرى شياه أخرى، وفي مدينة ثالثة شياه ثالثة:
فالمشهور عند الحنابلة، هو رواية عن الإمام أحمد: أنه لا يضم بعضها إلى بعض، واستدلوا بقوله: (ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة) .
وعن الإمام أحمد، وهو مذهب جماهير العلماء: أنه يضم بعضه إلى بعض؛ لأن المال مال رجل واحد.
وأما حديث (لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق) ، فإن هذا إنما هو في المالين إن كان لرجلين، فلا يجمع بينهما ولا يفرق خشية الصدقة. ومما يدل على هذا: الإجماع على المسألة المتقدمة، فقد أجمعوا على أن المال إذا كان متفرقاً وما بينهما مسافة لا يقصر فيها الصلاة، فإنه يجمع بينهما، على أن الحديث مطلق، فدل على أن تفسيره كما تقدم، وهو أن يكون الأموال لأناس مختلفين، فيجمعونها خشية الصدقة أو يفرقونها خشية الصدقة.
إذاً: الراجح ما ذهب إليه جماهير العلماء، وأن المال يضم بعضه إلى بعض سواء كان بينه مسافة قصر أو لم يكن. كما أن مسافة القصر في هذا الباب لا معنى لتأثيرها.
والحمد لله رب العالمين.
الدرس الأول بعد المئتين
(يوم الجمعة: 26 / 12 / 1415هـ)