وإنما فرق الشارع بين المعشرات وغيرها؛ لأنها ليست معدة للنماء، بل متى حصدت استهلكت، بخلاف بهيمة الأنعام وعروض التجارة والذهب والفضة، فإنها معدة للنماء، فناسب في إيجاب الزكاة فيها مضي الحول. وأما هذه فإنها ليست بمعدة للنماء، فمتى حصد الزرع أو جني الثمر، فإن الزكاة تجب فيه؛ لأنه حينئذ يكون معرضاً للاستهلاك، فلا فائدة حينئذ من أن يتربص به حولاً.
قال: [إلا نتاج السائمة وربح التجارة]
فما تنتجه السائمة من بهيمة الأنعام فنتاجها وكذلك ربح التجارة هو فرع يلحق بأصله في الحول، فحوله حول أصله.
مثال ذلك: رجل عنده أربعون شاة، وقبل أن يتم عليها حول أنتجت كل شاة منها سخلتين أو أكثر بحيث أنها زادت على ما يجب في أصلها، فأصلها أربعون، فيجب فيها شاة، وإذا نظرنا إلى النتاج وأضفناه إلى أصله فإن الواجب شاتين، فحينئذ نوجب فيها شاتين، فنعتدّ بالصغار، فتلحق بأصولها في مضي الحول. وعليه عمل السعاة في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، وقد ثبت في موطأ مالك بإسناد صحيح عن سفيان بن عبد الله أن عمر بعثه مصدقاً، فكان يعتد على الناس بالسخل "، يعني يحتسب عليهم السخل، فقالوا: إنك تعتد علينا بالسخل ولا تأخذها – فإن الساعي لا يأخذ الصغار بل يأخذ وسْط المال، الجذعة والثنية، فذكر ذلك لعمر، فقال عمر: " نعم نعتد عليهم بالسخلة يحملها الراعي – أي يحملها بيده – ولا نأخذها، ولا نأخذ الأكولة " وهي التي تسمن لتؤكل، وهي من خيار المال، " ولا الرُبَّى " وهي المرضع تربى ولدها، " ولا الماخض " وهي الحامل، " ولا فحْل الغنم، وتأخذ الجذعة والثنية، وهذا عدل بين غذاء الغنم " (?) أي صغاره وخياره.