أما القول الثاني في هذه المسألة، فهو ما ذهب إليه جمهور أهل العلم: وهو أن الميت لا ينتفع إلا بما تقدم ذكره من الأربع، أما غيرها من الأعمال فإنه لا ينتفع به.

واستدلوا: بقوله تعالى: {وأن ليس للإنسان إلا ما سعى} .

قالوا: فهذه الآية حاصرة، فإن الإنسان ليس له من عمله إلا ما سعاه، أما ما لم يسعه مما أهدي إليه، فإن ذلك لا يصل إليه.

ويستثنى من ذلك ما وردت به السنة وهو ما ثبت في مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) .

قالوا: فهذا في الحقيقة من سعيه فإنه متصرف ظاهر في ولده كما هو متصرف ظاهر في العلم والصدقة، فالولد كسب لأبيه، وإنما ذكر هذا النبي صلى الله عليه وسلم لأن هذا من عمله.

وأما الدعاء من الغير فليس هو من عمل الإنسان لكن دلت الأدلة المتقدمة أن ذلك يصل إليه.

وأجاب شيخ الإسلام على الاستدلال بالآية – وهو أصح جواب أورد على الاستدلال بالآية – أجاب وذكر ذلك ابن القيم مقراً له –: " أي ليس للإنسان مالكاً لغير سعيه، فالنفي هنا متوجه إلى ملكه، وأنه لا يملك شيئاً من الأعمال إلا ما سعاه، وليس فيه نفي الانتفاع فإنه قد ينتفع بعمل غيره ".

وفيما قاله – رحمه الله تعالى – نظر، فإن العمل إنما يستفاد منه الانتفاع، وإلا فإن الآية لا يكون لها فائدة، إذ هذا النفي لا يتوجه إلى شيء فإن العمل إنما يقصد منه الانتفاع فإذا عمل الغير له ونفينا أن العمل له وأثبتنا الانتفاع، فإن الآية لا تكون متوجهة إلى إفادة فهذا ممتنع في القرآن غاية الامتناع. فالأصح ما ذهب إليه جمهور العلماء – والمسألة فيها قوة – وأنه لا يصل إلى الميت إلا ما تقدم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015