أما إذا تأهل فيها تأهلاً تاماً فأقام فيها الإقامة التي ينتفي بها حكم السفر فإنه يكون في حكم المقيمين ولا مانع أن يكون له بلدتان فأكثر متى ما ثبتت الإقامة.

فإذا كان له في هذه البلدة أشهر يمكث فيها وفي البلدة الأخرى بقية السنة فإنه يعتبر مقيماً في البلدتين؛ لأنه قد تأهل تأهلاً تاماً واتخذ كلاً منهما سكنى له فكان له حكم المقيمين لا المسافرين.

قال: (وإن كان له طريقان فسلك أبعد هما)

وكان أقصرهما لا يثبت به حكم السفر، فسلك أبعد هما فإنه يثبت له حكم المسافرين، وإن كان لو سلك أقصرهما لم يثبت له ذلك.

قالوا: لأن سلوكه الأبعد فيه ترك لما كان سلوكه أولى، ولا يكون ذلك إلا لأن سلوك ذلك مظنة خوف أو مشقة، فهذا طريق شاق أو فيه مخاوف فتركه وسلك الطريق الآخر غيره، فكان الطريق الأبعد هو الطريق الأصلي لهذه البلدة لأنه آمن وسالم من المتاعب.

- وقال بعض الحنابلة: يستثنى من ذلك ما ذكرتموه فيما إذا كان ذلك مظنة الخوف أو المشقة.

أما إذا لم يكن ذلك فلا. وهذا أظهر؛ لأنا إذا قلنا بخلاف ذلك فإنه يقتضي أن يكون اثنان قد أتيا من بلد واحدة وأحدهما له حكم السفر والآخر لا، مع أن [من] له حكم السفر قد اتخذ طريقاً خلاف الأولى، فمثل هذا ضعيف في النظر.

أما إذا كان الطريق الآخر فيه مخاوف ومشاق فإنه يكون الطريق الأصلي للبلدة هو هذا الطريق الآمن السالم من المتاعب.

فحينئذ يثبت في سلوكه السفر وإن كان غيره أقرب منه لمشقة سلوكه وللمخاوف فيه.

فالراجح: أنه إذا كان هناك معنى لسلوك الأبعد لكون الأقرب فيه مخاوف أو مشاق فسلك الأبعد فإنه يقصر الصلاة.

قال: (أو ذكر صلاة سفر في آخر قصر)

رجل مسافر فذكر أنه ترك صلاة في سفر آخر فإنه يصليها قصراً؛ لأنه قد فعلها في السفر وقد وجبت في السفر فلا معنى لقضائها تماماً.

ثم إن القاعدة السابقة " القضاء يحكي الأداء " تفيد هذا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015