فمن شواهده الأثرية ما رواه ابن أبي شيبة بإسناد حسن: (أن عمر بن عبد العزيز كان له وقفتان: وقفة إذا كبر، ووقفة إذا قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين) وقد ثبت أن عمر بن عبد العزيز كان من أشبه الناس صلاة بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان ذلك مشهوراً عند السلف، ففي البيهقي بإسناد صحيح أن أبا سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف – من كبار فقهاء التابعين – سئل عن القراءة خلف الإمام، وقيل له: (إنا نكون وراء الإمام والإمام يقرأ فقال: اغتنمها في سكتة الإمام إذا قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين) .

وأما النظر فهو أن الله قد أمر بالإنصات والاستماع للقرآن وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقراءة الفاتحة للمأموم كما تقدم فكان حينئذ الجمع بينهما أن يشرع مثل هذا.

ومن هنا قال شيخ الإسلام أن الأمر بقراءة الفاتحة مع الاستماع عبث تنزه عنه الشريعة "؛ وذلك لأنه لا يعقل أن يأمر الشارع بالإنصات ثم يأمر بقراءة الفاتحة.

وعلى التسليم بما ذكره شيخ الإسلام فإن المخرج منه ما ذكرناه.

وقد ذكر ابن القيم هذا الحديث وقواه ثم قال: (وقيل إن هذه السكتة لقراءة المأموم فاتحة الكتاب قال: وعلى هذا ينبغي أن تكون بقدر الفاتحة) .

فعلى ذلك الراجح: أنه يستحب للإمام أن يسكت سكتة بقدر الفاتحة ليتمكن المأمومون من قراءتها

قال: (وإذا لم يسمعه لبعد لا لطرش)

ويعني يستحب للمأموم أن يقرأ بالفاتحة إذا لم يسمع قراءة إمامه كأن يصلي رجل وراء إمامه ولا يسمع قراءة الإمام فإنه يستحب له أن يقرأ بالفاتحة.

وعلى القول بالوجوب – كما هو أحد القولين في المذهب – فإنه يجب عليه ذلك.

فإذا كان صوت الإمام لا يتضح، بل يصل المأموم ما يسمى بالهمهمة فهل يستحب له أن يقرأ أم لا؟

المشهور في المذهب أنه لا يستحب له ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015