فإذا كثرت الجماعة في المسجد وكان أكثر من غيره، فالصلاة فيه أفضل لحديث (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) .
قال: (ثم المسجد العتيق)
لسبق الطاعة فيه.
والمشهور عند الحنابلة تقديمه على الأكثر جماعة خلافاً لما ذكره المؤلف هنا، وهو قول لبعض الحنابلة.
وفضيلة المسجد العتيق تحتاج إلى دليل شرعي ولا دليل يدل على ذلك، فكونه عتيقاً لا يستفاد أنه أفضل من غيره لا سيما ما نص النبي - صلى الله عليه وسلم - على تفضيله في قوله: (وما كان أكثر فهو أحب إلى الله) .
قال: (وأبعد أولى من أقرب)
فالأبعد من المساجد أولى من الأقرب لما فيه من كثرة الخطا إلى المساجد وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم ممشى فأبعدهم) .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لبني سلمة وقد أرادوا أن يتركوا منازلهم وينزلوا قريباً من المسجد قال: (يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم) .
وما ذكروه من الأدلة صحيح لكن الاستدلال به فيه نظر.
أما كونه يدل على فضيلة من كان يأتي إلى المساجد وبيته بعيد والآثار له تكتب وأنه أعظم الناس أجراً في الصلاة فنعم. وأما كونه يدل على ترك المسجد الأقرب إلى مسجد أبعد فإن الصحابة لم يكونوا يتكلفون ذلك، ولم يرد أن أحداً منهم ممن كان قريباً إلى المسجد تكلف البعد عنه لينال ذلك الثواب المذكور بل هذا الحديث فيه ترغيب من كان بعيداً عن المسجد أن يحضر إلى المساجد وأن يشهد الجماعة مع بعد منزله. ولا يدل على أنه يشرع تكلف ذلك وترك المساجد القريبة إلى مساجد بعيدة، كيف وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الطبراني في الكبير والأوسط بإسناد جيد: (ليصل أحدكم في المسجد الذي يليه ولا يتبَّع المساجد) .