على كل حال كلام أهل العلم واضح في هذا، من ترك نية الدخول في النسك لم ينعقد نسكه، كما لو صلى أو صام بغير نية؛ لحديث عمر: ((إنما الأعمال بالنيات)) ويستوي في ذلك الحج والعمرة؛ لأن ذلك ركن في الحج والعمرة كما تقدم، من ترك ركناً آخر غير نية الدخول في النسك غير الإحرام لم يتم نسكه، ينعقد وإلا ما ينعقد؟ إن ترك نية الدخول في النسك لا ينعقد، لكن لو ترك غير نية الدخول ينعقد، لكنه لا يتم ولا يصح إلا به، حتى يأتي بذلك الركن؛ لأنه لا يسقط لا سهواً ولا عمداً، ولا يجبر بدم، بل لا بد من الإتيان به، ترك الطواف طواف الإفاضة مثلاً حجه منعقد وإلا ما انعقد؟ منعقد، لكن عليه أن يأتي بهذا الركن، ولا يجبر بشيء، ومن ترك واجباً من الواجبات السبعة في الحج أو الواجبين في العمرة سواء في الحج أو العمرة فعليه دم، هذا ما يقول به جماهير أهل العلم، استناداً لقول ابن عباس: "من نسي من نسكه شيئاً فليهرق دماً" وهذا من كلام ابن عباس يحتمل أنه قاله تفقهاً واجتهاداً، ويحتمل أنه تلقاه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- والاحتمالان قائمان.
يقول الشنقيطي -رحمه الله تعالى-: استدل العلماء على إيجاب الدماء بقول ابن عباس -رضي الله عنهما-، وهذا الاستدلال لا يخلو من أمرين: الأول: أن يكون لقول ابن عباس حكم الرفع بناءً على أنه تعبد لا مجال للرأي فيه، وحينئذٍ لا إشكال، إذا قلنا: له حكم الرفع لا إشكال، الثاني: إنه لو فرض أنه موقوف على ابن عباس، وهذا كله كلام الشيخ -رحمه الله- وللرأي فيه مجال فهو فتوى صحابي جليل، لم يعلم له مخالف، وهم خير أسوة يعني الصحابة لمن جاء بعدهم، بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والخلاف في حجية قول الصحابي لا سيما إذا لم يخالف مسألة معروفة عند أهل العلم، والله المستعان.