الأمر الثاني: أن عموم ذوات الأسباب في أوقات النهي الخلاف قوي جداً في عدم فعلها، وأما ما يدور على ألسنة كثر من المعلمين والمتعلمين من أنه عموم وخصوص، الخاص مقدم على العام هذه سمعناها من بعض من يعتد به، لكن ليس الأمر كذلك؛ لأنه ليس بعموم وخصوص مطلق فيقال مثل هذا الكلام، هو عموم وخصوص وجهي، والترجيح في مثل هذه المسألة في غاية الصعوبة، فهي من عضل المسائل، فأشكل الترجيح على كثير من فحول العلماء، حتى قال بعضهم: لا تدخل المسجد في قوت النهي، وأفتى بعضهم بأن يظل الداخل واقفاً حتى يخرج الوقت، وقت النهي؛ لأن عندنا نصوص صحيحة صريحة في المنع من الصلاة في هذه الأوقات "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" والنهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر في الصحيحين وغيرهما، المقصود أن هذه الأوقات الخمسة لا تسوغ فيها الصلاة هذا بالنسبة للمطلقة الصلاة المطلقة لا إشكال، لكن عندنا مثل هذه النصوص وعندنا مثل قوله -عليه الصلاة والسلام- ((إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) مثلها ركعتا الطواف، من أهل العلم من يقول: أحاديث النهي عامة وأحاديث هذه الصلوات خاصة، والخاص مقدم على العام، وهذا قول الشافعية، والجمهور على خلاف هذا القول، يقولون بعكس ذلك الكلام، يقولون: أحاديث النهي خاصة، وأحاديث هذه الصلوات عامة في جميع الأوقات، فتستثنى هذه الأوقات، ولكل من القولين اعتباره، إذا عرفنا أن رأي الحنفية والمالكية والحنابلة المنع من الصلوات في هذه الأوقات عدا الفرائض؛ لأن الأمر بالصلوات -أعني ذوات الأسباب- في جميع الأوقات الأمر مطلق، والنهي عن الصلوات في هذه الأوقات خاص، وهذا يقابل قول الشافعية، فليست المسألة من السهولة بمكان أن يدخل الإنسان قبل صلاة المغرب بخمس دقائق أو عشر دقائق قبل غروب الشمس ويصلي ركعتين، أو حين يقوم قائم الظهيرة أو عند بزوغ الشمس، على كل حال أحاديث النهي عامة من وجه وخاصة من وجه، أحاديث النهي عامة في جميع الصلوات، خاصة في هذه الأوقات، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة في هذه الصلوات عامة في جميع الأوقات، فهنا عموم وخصوص وجهي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015