إذا عرفنا أنه لا يجوز تجاوز المواقيت بغير إحرام لمن أراد الحج والعمرة فما حكم الإحرام قبل الميقات؟ إذا كان تجاوز الميقات بغير إحرام لا يجوز، وأن من تجاوزه عليه أن يفدي، تجاوز الميقات بغير إحرام وقد أراد الحج والعمرة إما أن يرجع إلى الميقات فيحرم منه أو يفدي، فما حكم الإحرام قبله، قبل الميقات، صرح جمع بكراهته؛ لما روى الحسن أن عمران بن حصين أحرم من مصر فبلغ عمر فغضب، وقال: "يتسامع الناس أن رجلاً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أحرم من مصره" رواه سعيد والأثرم، وكره عثمان أن يحرم من خراسان أو كرمان، وهذا علقه البخاري عن عثمان، وترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- بقوله: "باب: ميقات أهل المدينة ولا يهلون قبل ذي الحليفة" ولم ينقل عن أحد ممن حج مع النبي -عليه الصلاة والسلام- أن أحرم قبل ذي الحليفة، ولولا تعين الميقات لبادروا إليه قاله الحافظ.
ابن المنذر وغيره نقلوا الإجماع على الجواز، ولولا هذا الإجماع لكان تعدي المقدرات الشرعية لا يكفي أن يقال فيه بالكراهة، لا سيما في العبادات؛ لأن الذي يفعل أكثر مما حد له شرعاً ويزيد على ما قدر له شرعاً يدخل في حيز البدعة، فلولا مثل هذا الإجماع الذي ذكره ابن المنذر وغيره لما كفى القول بكراهته، لكن قال الحافظ: "وفيه نظر" فقد نقل عن إسحاق وداود وغيرهما عدم الجواز، ويؤيده القياس على الميقات الزماني فقد أجمعوا على أنه لا يجوز التقدم عليه، وذهب طائفة كالحنفية وبعض الشافعية إلى ترجيح التقدم، يقول الصنعاني: لولا ما قيل من الإجماع بجواز ذلك لقلنا بتحريمه لأدلة التوقيت؛ ولأن الزيادة على المقدرات من المشروعات كأعداد الصلوات، ورمي الجمار لا تشرع كالنقص منها، لا يكفي أن يقول: لا تشرع، إذا زاد عما حد له مما لا يتعدى نفعه، وتظهر علته لا شك أنه مبتدع، يحرم أن يزيد في أعداد الصلوات، يحرم عليه أن يزيد في عدد الجمار قصداً مع علمه وتيقنه من العدد المشروع، لكن إذا كان الزيادة في القدر المحدد شرعاً مما يتعدى نفعه، شخص وجب عليه في الزكاة ألف ريال وأخرج ألفين يجوز وإلا ما يجوز؟ يجوز له ذلك، نفعه ظاهر وعلته ظاهرة.