في الحرم قال الله تعالى {ومن دخله كان أمناً} فهذه سنة كانت في الجاهلية وأقرها الإسلام، على أن الإنسان إذا فعل ما يوجب القتل (يستحق عليه القتل) خارج الحرم ثم لجأ إلى الحرم فإن الحرم يعيذه ولا يجوز أن يقتل فيه، وماذا يصنع به؟ يعني لو قال قائل: لو سلمنا بهذه القاعدة، كان كل إنسان مجرم يذهب إلى الحرم ويلوذ به، قلنا: نحن لا نقتله في الحرم لكن نضيق عليه حتى يخرج، كيف نضيق عليه؟ قال العلماء: لا يؤكل معه ولا يشارب ولا يبايع ولا يشترى منه ولا يكلم، نضيق عليه حتى تضيق عليه الأرض بما رحبت، حينئذ ماذا يفعل؟ يخرج، وإذا خرج أقمنا عليه ما يجب عليه.
المهم أنهم خرجوا بخبيب خارج الحرم إلى الحل ليقتلوه، فطلب منهم، أن يصلي ركعتين؛ لأن أشرف الأعمال البدنية الصلاة، ولأنها صلة بين العبد وبين ربه عز وجل، فأذنوا له أن يصلي ركعتين، انتهى منها وقال: لولا أني أخاف أن تقولوا: إنه فر من القتل أو كلمة نحوها، لزدت، ولكنه رضي الله عنه صلى ركعتين فقط ثم قال: لولا أني أخاف أن تظنوا أن بي جزعاً لزدت؛ لأنه رضي الله عنه، كان حريصًا على الصلاة ويحب أن يكثر منها عند موته ثم دعا عليهم رضي الله عنه بهذه الدعوات الثلاث، اللهم أحصهم عددًا، واقتلهم بددا، ولا تبق منهم أحدًا.
فأجاب الله دعوته، وما دار الحول على واحد منهم، كلهم قتلوا وهذا من كرامته.
ثم انشد هذا الشعر:
ولست أبالي حين أقتل مسلمًا ... على أي جنب كان لله مصرعي
وذلك في ذات الإله فإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع
فصار من الكرامة لهذا الرجل أن الله سبحانه وتعالى كان يرزقه