بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد القهار، العزيز الغفار، مكور الليل على النهار، تذكرة لأولى القلوب والأبصار وتبصرة لذوي الألباب والاعتبار، الذي أيقظ من خلقه من اصطفه فزهدهم في هذه الدار، وشغلهم بمراقبة وإدامة الأفكار، وملازمة الاتعاظ والأذكار، ووفقهم للدؤوب في طاعته والتأهب لدار القرار ن والحذر مما يسخطه ويوجب دار البوار، والمحافظة على ذلك مع تغاير الأحوال والأطوار.
احمده أبلغ حمد وأزكاه، وأشمله وأنماه.
وأشهد أن لا إله إلا الله البر الكريم، الرؤوف الرحيم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليليه، الهدي إلي صراط مستقيم، والداعي إلي دين قويم ن صلوات الله وسلامه عليه وعلى سائر النبيين، وآل كل وسائر الصالحين.
أما بعد:
فقد قال الله تعالي: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ) (الذريات: 56/57) وهذا تصريح بأنهم خلقوا للعبادة، فحق عليهم الاعتناء بما خلقوا له، والإعراض عن حظوظ الدنيا بالزهادة؛ فإنها دار نفاد لا محل إخلاد، ومركب عبور لا منزل حبور، ومشرع انفصام لا موطن دوام.