ومن هنا فالذي نوصي به طلاب العلم هو العناية بالدليل اللفظي من حيث التحصيل، وهذا يقع بتتبع السنن والآثار، ومن حيث الفقه، وهذا يأتي من العناية بمجموع المدارك الخمسة، أما العناية بالدليل اللفظي من حيث التحصيل إثباتاً دون فقه التحصيل لحكمه وهو مجموع المدارك الخمسة؛ فإن هذه حال قاصرة.
وكذلك مما ينبه إليه: العناية بدليل الاستقراء، ومن أكثر الأئمة عناية بدليل الاستقراء الإمام الشافعي رحمه الله، فمن يقرأ في كتبه ككتاب الرسالة، أو في تطبيقاته في كتاب الأم بخاصة كتطبيقات على الفروع؛ يجد التحقق البين، وعناية الشافعي بالدليل اللفظي، ثم عنايته بطريقة التفسير، التفسير له بالمدارك، حتى إنه يصرح بذلك فيقول: وإنا إذا استقرأنا لسان العرب فإن العرب إذا قالت كذا وكذا فالمقصود كذا وكذا .. ، ويقول: من مقصد الشارع كذا، وجاءت أصول الشريعة بكذا ..
وإنما ذكرت الشافعي ليس لاختصاصه عن مالك وأحمد وغيرهم؛ وإنما لأن الشافعي كتب كتابة بينة مفصلة في هذا، فتكون المشاهدة بينة أو ممكنة، فيتبين لك كيف كان الشافعي وأمثاله من المتقدمين يفقهون ذلك من حيث التطبيق، أما من حيث دليل الاستقراء فهذا أيضاً بين في طريقة حكم الأئمة على المسائل.
ولذلك ذكرنا سابقاً أنهم ربما تركوا العمل بظاهر حديث لاستقراء عندهم، وربما أخذوا ببعض الأصول أو أخذوا ببعض الحديث الفرد في مقام وتركوه في مقام آخر، هذا لكونه وافق الأصل فأخذوا به، وهذا لكونه عارض الأصل وليس إسناده بيناً فتركوه ..
وهكذا.