التمذهب على الفقيه وصاحب الحديث

ربما كان التمذهب -وهو الأصل- على طريقة الفقهاء؛ كالأئمة الأربعة ومن جاء بعدهم من أصحابهم، وربما تمذهب البعض بمذهب بعض أصحاب الحديث، وهذا يقع، ولا يجوز أن يمنع منعاً مطلقاً، ولكنه يدار فيه القول على الضبط والتحقيق، وهذا لما حصل عند المتقدمين وانتظم قولهم كقول بعض الفقهاء لم يكن مرتضياً لذلك، وهذا يوجد عند من لم يكن مرتضياً لجعل مذهب أحمد في مذاهب الفقهاء، وهذا تكلف، فإن الإمام أحمد يعد من المحدثين ومن الفقهاء، ولا يلزم أن يكون الإنسان إما محدثاً غير فقيه، وإما فقيهاً غير محدث، بل قد يكون محدثاً وفقهياً في نفس الوقت، فمثلاً: الإمام الشافعي فقهه أغلب من حديثه، فكأنه من محدثي الفقهاء، والإمام أحمد حديثه أوسع، أي: عنايته بالحديث أوسع من عنايته بالرأي، فهو من فقهاء المحدثين، فهذا أمر لا يتكلف فيه، لكن فيما بعد -أي: بعد المذاهب الاربعة- وجد مثل ذلك، وهذا له وجود في هذا العصر - أي: التمذهب على طريقة أصحاب الحديث- فلا ينبغي أن يضيق على طريقة المنع المطلقة، ولكن يؤكد شرطه وهو: أن لا يخرج عن أصول الفقهاء، كالتكلف بالآراء الشاذة تحت اسم الاستدلال بالدليل أو بالحديث، فهذا نوع من التكلف، فإذا ما ضبط على أصول الفقهاء فهذا وجه مقارب للقبول، ولا يجوز تضييقه، وهو موجود في بعض أمصار المسلمين في هذا العصر وقبل هذا العصر، فإذا كان المعتبر فيه يعرف مسائل الإجماع، فلا يخرج عن الإجماع، ولا يأخذ بالشاذ، وإنما يسير إلى قول إمام متقدم، فهذا ما سبق التنبيه إليه في المسائل السابقة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015