المقام الأول: التمذهب الجائز المحمود: وهو اعتبار التمذهب من التراتيب العلمية، فيقصد إليه في مقام التدريس والتعلم، والتدريس حق الشيخ، والتعلم حق الطالب، فالنظر في التمذهب باعتباره من عوارض التراتيب العلمية أمر حسن وسائغ، وإن لم يكن لازماً على الإطلاق، وفائدته ترتيب المسائل العلمية، ومعرفة مبتدأ الأقوال في الكتب ومنتهاها، فيحفظ به المتمذهب ويعرف أصول المسائل، ومبتدأ الأقوال، وما إلى ذلك.
ومن فوائده: أنه يقع ضد الفوضى العلمية، ولعل من الحكمة أن نقول: ضد الفوضى، وليس نقيض الفوضى؛ لأن الضد قد يعني أنه إذا ارتفع الضدان فيمكن أن توجد صورة ثالثة، فلا يقال: إنه لا يمكن في الوجود إلا التمذهب أو الفوضى، ومن لم يتمذهب فهو من أهل الفوضى، فإن هذا إغلاق؛ لأنه أولاً لم يقع عند السابقين بهذه الصورة، ثم إنه حتى بعد أن ظهرت المذاهب الأربعة كان هناك اختصاصات، كاختصاصات بعض أهل الحديث بفقه الحديث والتتبع لفقه المحدثين، والعناية به، وكذلك بعض المتمذهبين كثر خروجهم عن رأي المذهب في بعض المسائل، وكثر أخذهم بخلاف المعروف من المذهب في المصطلح.
إذاً: القول بأن من لم يتمذهب فهو من أهل الفوضى قول غير صحيح، لكن في أحيان كثيرة يكون التمذهب بديلاً عن الفوضى، وفي كثير من الأحوال تركه يؤدي إلى الفوضى، أما أنه يلزم من تركه الفوضى فهذا ليس شرطاً لازماً على الإطلاق.