قال رحمه الله: [السبب الرابع: اشتراطه في خبر الواحد العدل الحافظ شروطاً يخالفه فيها غيره].
وهذا من جهة القبول لآحاد الأحاديث، أو للأحاديث المفردة، وليس المقصود بالآحاد هنا بالضرورة الآحاد الاصطلاحية؛ بل يتبين هذا السبب في الحديث الفرد عند المحدثين أو عند متقدمي المحدثين، وهذا السبب يعد من الأسباب التطبيقية القوية، أي: الثابتة في التطبيق، بمعنى: أن الحديث إذا كان فرداً فربما ترك بعض المحدثين العمل به، وربما عمل به بعضهم لكونه موافقاً لبعض الأصول عنده، ونحو ذلك، فمثلاً: إذا جاء حديث فرد على وفق عمل أهل المدينة، فنجد أن مالكاً يعمل به ويعتبره، وإذا جاء حديث فرد على خلاف عمل أهل المدينة فنجد أن مالكاً ربما لم يعمل به، وقد سبق لذلك بعض المثال.
فهذا يتعلق بمسألة الأحاديث المفردة، وليس له قاعدة مطردة يمكن أن تضبط بحد، بل إن المحدثين أصحاب هذا الشأن -أعني المتقدمين منهم- نجد أنهم قد يقبلون بعض الحديث الفرد وقد يردونه، مع أن ظاهر الإسناد عندهم الصحة، وهم لا يطعنون في رجاله أو في اتصاله؛ بل يكون ظاهره الاتصال، ويكون ظاهر الرواة العدالة والقبول؛ لكنهم لا يعتبرون الحديث لكونه فرداً جاء على خلاف أصل عندهم، ومن المعلوم أن لكل إمام بعض الأصول التي يخالفه فيها غيره، وقد ذكرنا سابقاً أن من اعتبر عمل أهل المدينة يقوي بعض الحديث الفرد، لكن هذا الأصل -وهو عمل أهل المدينة- ليس أصلاً عند أبي حنيفة مثلاً، وليس أصلاً عند الإمام أحمد من المحدثين، فلا يلزم بالضرورة أن يكون عمل أهل المدينة مقوياً لبعض الحديث الفرد عند أحمد كما هو عند الإمام مالك.