الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمد عبده ورسوله، أما بعد: فقد سبق الحديث عن طائفتين من طوائف الجبرية، وهم من الضالين في الحقيقة الكونية، وبينا سبب ضلال الطائفة الثانية، وهي التي قسمت الناس إلى عوام وخواص، وأن العوام ملزمون بالأحكام الشرعية العامة، والخواص تسقط عنهم التكاليف إذا وصلوا إلى نهاية المطاف وهي الكشوفات والحقائق كما يقولون.
ثم ربط الشيخ بين هذه الطائفة من الصوفية وبين أهل الكلام المذموم، ووجه الربط بين الصوفية وبين أهل الكلام: هو أن الصوفية يقعدون قواعد يسمونها حقائق وكشوفات لا تقبل الجدل ولا النقاش، ثم يحاكمون النصوص الشرعية إلى هذه القواعد، وأهل الكلام من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية كذلك يقعدون قواعد يسمونها عقليات، ثم يحاكمون النصوص الشرعية إلى هذه القواعد العقلية، ولهذا عبث الصوفية بكثير من النصوص الشرعية بهذه الطريقة الفاسدة، وكذلك أهل الكلام عبثوا بكثير من النصوص الشرعية بناء على هذه الطريقة الفاسدة أيضاً، فتجد أن الصوفية -مثلاً- يفسرون الآيات الواردة في القضايا السلوكية بتفسير منحرف، وكذلك تجد أولئك يفسرون الآيات الواردة في إثبات الصفات لله عز وجل بتفسير منحرف، فإذا لم يستطيعوا تفسيرها فإنهم يتركونها ويقولون: (نمرها كما جاءت)، ويقصدون بذلك إلغاء المعنى التي تضمنته، وطي بساط معناها، والاعتماد على ما أصلوه وقعدوه من الحقائق عند الصوفية، أو من العقليات عند أهل الكلام.