الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: فهذا كتاب العبودية لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، وموضوع العبودية موضوع في غاية الأهمية، فالعبودية تعتبر أساس التوحيد.
وتوحيد الله سبحانه وتعالى مبني على ثلاثة أمور: الأمر الأول: العبودية لله سبحانه وتعالى، والأمر الثاني: ربوبية الله سبحانه وتعالى، والأمر الثالث: إثبات أسماء الله سبحانه وتعالى.
وهذه الثلاثة هي حقيقة التوحيد الذي لا يتم إيمان أحد إلا به.
والعبودية هي أساس دعوة الرسل، فإن كل رسول يرسله الله سبحانه وتعالى إلى قومه يأمرهم بعبادة الله عز وجل، وينهاهم عن الشرك، وهي وصية الله سبحانه وتعالى لأنبيائه، وللأولين والآخرين، يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36].
ومن يقرأ سورة الأعراف يجد أن كل نبي من الأنبياء يأتي إلى قومه يقول لهم: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف:59]، ولا يمكن لأحد أن يدخل الجنة إلا إذا كان عابداً لله عز وجل، مفرداً له هذه العبودية لا يجعل معه شريكاً من دونه.
والعبودية هي توحيد الألوهية الذي هو أساس الدين وأصل الدين، ولا يستقيم إيمان أحد إلا به، والعبودية أيضاً هي التي توصل الإنسان إلى كمالات الإيمان، وإلى المقامات العلا عند الله سبحانه وتعالى، والعبودية يصل الإنسان بها -إذا استقام عليها وهذب نفسه على منهاجها- إلى سعادة الدنيا والآخرة، فإن سعادة الدنيا مرتبطة بعبودية الله عز وجل، وسعادة الآخرة ودخول الجنة والنجاة من النار مرتبط أيضاً بإفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة، ولهذا يقول الله عز وجل: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28].
وقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن آثار ترك العبودية في الحياة، وأن من أعظمها الشقاء والهم والتعاسة على المستوى الفردي، والهزيمة والضعف والهوان على المستوى الجماعي، فالعبودية حكمة خلق الله عز وجل للإنس والجن، وهي التي من أجلها أنزل الله سبحانه وتعالى آدم من الجنة، وأرسل الرسل، وأنزل الكتب، وأمر العباد بأوامر، ونهاهم عن نواه، ولهذا فالعبودية هي حقيقة الإسلام، وهي من أهم الموضوعات في العقيدة، وإذا استقامت عبودية الإنسان لله عز وجل فإن دينه سيكون مستقيماً، وإذا انحرف في العبودية فإنه سيكون في غاية الانحراف.
وسوف يتبين لنا من خلال دراسة هذا الكتاب المختصر في باب العبودية الأهمية الكبرى للعبودية سواءً كان على مستوى العلم والفهم، أو على مستوى العمل والتطبيق، فإن حاجة الإنسان النفسية، وحاجته الاجتماعية، وحاجته العلمية للعبودية حاجة ماسة سنتبينها من خلال هذا الكتاب، وسيتضح لنا أهمية هذا الجانب من جوانب العقيدة من خلال هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
والحقيقة أن هذا الكتاب يغطي جانباً مهماً من جوانب العبودية، إلا أنه بطبيعة الحال لا يمكن أن يغطي كل جوانب العبودية، فإن كتب أهل العلم في باب العبودية كثيرة، من أبرزها كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فهو كتاب متخصص في العبودية، وكذلك كتاب الأصول الثلاثة، وكشف الشبهات للشيخ محمد بن عبد الوهاب.
وللمصنف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتب متخصصة في موضوع العبودية تطرق إليها من جوانب متعددة، من ذلك: كتاب التوسل والوسيلة له، وأيضاً الاستغاثة والرد على البكري، وأيضاً الرد على الأخنائي.
والبكري والأخنائي هم من دعاة القبورية الذين دعوا إلى عبودية غير الله عز وجل؛ فرد عليهم المؤلف رحمه الله بهذه الكتب.
ومن الكتب المتعلقة بالعبودية غير هذا الكتاب لـ شيخ الإسلام أيضاً كتاب الواسطة بين الحق والخلق، وله أيضاً كتاب اسمه: الجواب الباهر في حكم زيارة المقابر، وهو من أفضل الكتب فيما يتعلق بموضوع العبودية من هذه الزاوية، وهي زاوية الشرك الذي حصل عند كثير من الناس في موضوع التعبد للقبور ونحوها.
إذاً: موضوع العبودية موضوع شامل وكبير وواسع، وهو نفسه توحيد الألوهية، وله جوانب متعددة، والمذاهب المنحرفة في العبودية مذاهب كثيرة، ولها تأثير كبير في واقع المسلمين اليوم، وسنعرض شيئاً من هذه المذاهب، والمصنف هنا أشار إلى قضايا كثيرة ومتعددة فيما يتعلق في موضوع العبودية، وتحدث عن فرقة من هذه الفرق التي انحرفت في باب العبودية، وهناك فرق أخرى، ومذاهب أخرى انحرفت في موضوع العبودية، لكن المصنف لم يتحدث عنها بشكل مفصل، ولعل السبب هو أن هذا الكتاب هو عبارة عن فتيا ورسالة جاءت كجواب على سؤال، ولهذا سيأتي معنا في البداية أن