والعبودية هي الأساس في الحوار مع أي أمة من الأمم، ونحن نسمع كثيراً عن الحوار بين الأديان، والحوار بين أهل السنة وغيرهم من الفرق الضالة مثل الصوفية، والشيعة وغيرهم، وهذا الحوار له ضابط شرعي ينبغي أن يدركه الإنسان، وهو قول الله عز وجل: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران:64].
إذاً: الأساس في الحوار ينبغي أن يكون في تقرير أن الله عز وجل هو المعبود، وهو سبحانه وتعالى وحده الخالق الرازق المحيي المميت الذي يجب أن تصرف له العبادة، أما الذين يدعون إلى الحوار مع اليهود، أو مع النصارى، ويقولون: إن الحوار يقتضي أن يتنازل الإنسان عن بعض ما عنده، ويتنازل الخصم عن بعض ما عنده، ونلتقي في منتصف الطريق، فلا شك في أن فعلهم هذا من أعظم الضلال والانحراف.
وقد يقول قائل: أنتم عندما تناقشون الأمم الأخرى، كاليهود أو النصارى، أو أي أمة من الأمم فإنكم تناقشونهم وعندكم نظرة سابقة عن دينكم بأنه هو الحق ولا يمكن أن يتغير، وغيركم عنده نظرة عن دينه بأنه هو الحق الذي لا يتغير، فكيف يمكن أن يقنع بعضكم بعضاً؟! ونقول: إن القضية يسيرة ولله الحمد، فهذا الدين مقرر بأعظم الأدلة والبراهين، وهو ليس ديناً إيمانياً يؤمن به الإنسان هكذا، بحيث يُقبل الحوار في ترك بعضه، أو نقصان بعض منه، بل هذا الدين مؤسس بأعظم الأدلة البرهانية التي لا تقبل خلافاً عند العقلاء من الناس، ولهذا سبق أن أشرت إلى أن هذا القرآن مليء بالأدلة العقلية التي إذا قرأها الإنسان المستقيم العقل فإنه سينقاد لها مباشرةً، وحينئذ عندما يناقش الإنسان اليهود أو النصارى أو غيرهم فإنه يأخذ هذه الأدلة العقلية ويحتج بها عليهم، كما أن دينهم واضح البطلان، بل إنهم يعلمون ذلك، ولكن الذي يمنعهم من الالتزام بدين المسلمين ليس هو عدم وجود أدلة عند المسلمين تكفي في الاستدلال على عقائدهم، بل لأنهم يتبعون الهوى، ويتبعون الشهوة، ويحسدون هذه الأمة المسلمة على أن تكون هي الأمة الرائدة القائدة لجميع الأمم في الأرض، ولهذا ينبغي أن يدرك الإنسان مخاطر قضية الحوارات والآراء المعاكسة، وما يسمونه بالرأي والرأي الآخر، فهذا لا يدخل في أساسات الدين، فإن أسس الدين مقررة وإجماعية متفق عليها، وليس فيها خلاف، فقضايا العقائد الأساسية متفق عليها، ولا تقبل النقاش، ولا تقبل الخلاف، وكونها لا تقبل النقاش لأنها برهانية عقلية يقينية صحيحة، لكن نحن نقول: لا نقبل النقاش حتى لا نعرض ديننا لكل عابث، ولهذا كان السلف رضوان الله عليهم ينهون عن المناظرات، وعن المجادلات، فقد كان في زمن الدولة العباسية بعض الخلفاء من أصحاب الأموال، وكذلك الوجهاء والوزراء وغيرهم، كانوا يجمعون الطوائف المختلفة والمفترقة ثم ينظرون إليهم ويطلبون منهم أن يتجادلوا، فيطرحون قضية من قضايا العقيدة مثلاً، أو قضاياً الإيمان، أو أي مسألة من المسائل، ويبدءون بالجدال فيها، فإذا تجادلوا وتناقشوا في هذا الموضوع العقدي الخطير يبدأ الفقهاء يعجبون بمن يغلب، وتكمن أهمية المناظرة في استثارة كل واحد منهم، بحيث إنه تكون حجته أقوى، ويبدءون يزينون الكلام ويجملونه ويحسنونه، ويتناقشون في أخطر القضايا العقدية، وبعضهم جاهل بدين الله، ولهذا قد يقول القول وهو لا يعلم حقيقته، وقد يوصله ذلك إلى الردة -والعياذ بالله-، وهو لا يعلم حقيقة هذا القول الذي قال به، فهذه المناظرات وهذه المجادلات لا يقبلها دين الله عز وجل، وإنما نقول: إن دين الله عز وجل ثابت بالأدلة القطعية، ومقرر بالأدلة العقلية التي لا تقبل النقاش، وإذا جئنا نحاور أمة من الأمم لا نحاورهم بأن نتنازل عن عقائدنا، بل نحاورهم بدعوتهم إلى العقائد الصحيحة التي عندهم، كما قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران:64]، فما هي الكلمة السواء بيننا وبينهم؟ إنها {أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ} [آل عمران:64]، وهذا أمر يعرفه أهل الكتاب، ويعرفه كل صحيح الفطرة، وهو أن الخالق لابد من أن يعبد وحده، فإذا جئتم باجتهادات من عندكم، فجئتم بأولياء وبصالحين تريدون التقرب بهم إلى الله، نقول: اتركوا هذه المسائل إلى المتفق عليه، وهو أن الخالق لابد من أن يعبد وحده، وهذا هو حقيقة الدين.