أما الأمر الأول فيقول عنه: وذلك أن العبادة لله هي الغاية المحبوبة له، والمرضية له التي خلق الخلق لها، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56].
هذه الآية اختلف فيها المفسرون، فبعضهم يفسر العبادة في هذه الآية بأنها العبادة العامة التي تقتضي الخضوع المطلق لجميع الكائنات، وهي الموافقة لمعنى الخلق ومعنى الملك، وحينئذ فسروا هذه الآية فقالوا: معنى قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] أي: ما خلقتهم إلا ليطيعوني طاعة عامة.
وهكذا لا يحصل شيء في حياة الناس إلا بإرادة الله عز وجل وتقديره سبحانه وتعالى، فلا يمكن أن يحصل شيء من غير إرادة الله عز وجل أبداً؛ لأنه فعال لما يريد.
لكن التفسير الصحيح لهذه الآية هو أن المقصود بقوله: ((إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)) -كما قال ابن عباس وغيره من المفسرين-: إلا لآمرهم فيطيعوني، وأنهاهم فينتهون، وحينئذ يكون المعنى في قوله: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، أي: إلا ليخضعوا الخضوع الاختياري الذي هو موافقة الأمر والنهي عن اختيار وعن رغبة، وهذه هي العبودية الشرعية التي جاء الأمر بها.
وأما العبودية التي فسرت بها هذه الآية أولاً فهي العبودية الجبرية التي سيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى، ولا شك في أن كون العبادة هي الغاية المطلوبة والمرضية والمحبوبة لله سبحانه وتعالى، يدل على أهمية هذه العبادة ومنزلتها.