والطائفة الثالثة التي انحرفت في مفهوم العبادة هي: الصوفية.
فإن الصوفية فسروا العبادة بأنها شهود الخلق والرزق وشهود الإنعام، ومعنى الشهود -كما سيأتي معنا إن شاء الله- هو ملاحظة النعمة أو ملاحظة الخلق أو الاهتمام به فهذا الشهود عندهم هو العبادة، ولهذا يفسر القشيري في كتابه (الرسالة) العبودية بأنها شهود الحقيقة الكونية العامة، وهي مقتضى الخلق.
ولهذا اتفق الصوفية وأهل الكلام وصاروا على طريقة واحدة، ولهذا تجد أن المتأخرين من الصوفية، والمتأخرين من أهل البدع يجمعون بين ثلاثة أشياء: يجمعون بين الانحراف في الاعتقاد -فتجد أحدهم مثلاً أشعري العقيدة- والانحراف في السلوك، فتجد أنه -مثلاً- قادري السلوك أو نقشبندي، والانحراف في الفقه، فتجد أنه متعصب لإمام من الأئمة، فلو جاءه الحديث لرده بسبب قول هذا الإمام، وهذه لا شك في أنها ثلاث مصائب متعاونة، وقد تركبت في حياة المتأخرين خاصة.