وهذا الكتاب من أوائل المصنفات التي صنفت في هذا الموضوع الخطير من موضوعات العقيدة، وموضوع الإيمان من أخطر موضوعات العقيدة على الإطلاق، فموضوع الإيمان هو أول موضوع اختلفت فيه الأمة، فإن أول فرقة خرجت عن جماعة المسلمين وشقت صفوفهم هي فرقة الخوارج، وهؤلاء كفروا أعيان المسلمين بسبب الكبائر، فكانت أول فرقة خرجت ومرقت عن السنة في موضوع الإيمان.
وقد ناقش أبو عبيد القاسم بن سلام في كتابه هذا أهم مسائل الإيمان، خاصة مسألة تعريف الإيمان وحقيقته، ونقد في هذا الكتاب الطائفتين اللتين وصفتا بالإرجاء، وهما فرقة الجهمية الذين قالوا بأن الإيمان هو مجرد التصديق، أو الذين قالوا بأن الإيمان هو مجرد المعرفة فقط، وأخرجوا عمل القلب وإقرار اللسان وعمل الجوارح عن مسمى الإيمان، وكذلك فرقة مرجئة الفقهاء الذين قالوا: إن الإيمان هو تصديق القلب وإقرار اللسان بدون عمل الجوارح، وأما أعمال الجوارح فإنهم قالوا: لا تدخل إنما هي بر وإحسان وعمل صالح، لكنها لا تدخل في حقيقة الإيمان نفسه، بحيث لو ترك الإنسان جنس أعمال الجوارح فإنه لا يكفر، وأما عند الجهمية فإنه لو ترك جنس العمل عموماً -مثل عمل القلب وعمل الجوارح مطلقاً، بل وإقرار اللسان- فإنه لا يكفر، والعياذ بالله.
كما أنه ناقش بعض الشبهات التي أثارها المرجئة، ونقل الحجج من القرآن والسنة على أن الإيمان قول وعمل واعتقاد، وناقش موضوع زيادة الإيمان ونقصانه، وناقش كذلك موضوع الاستثناء في الإيمان، ونحوها من الموضوعات المهمة ذات الارتباط بموضوع الإيمان.