"وليس ثلث هذه الكتب فيما أحسبه في كتب جميعهم أعني مصنفات مالك بن أنس وحماد بن سلمة وعبد الرزاق" ثم قال: "وقد ألفته نسقاً على ما وقع عندي" يعني ألفته وبالغت في تحريره وتنضيده، وتأليف بين الأبواب المتناسبة على نسق واحد، يورد الأبواب على نسق يتحد فيها، أو يتفق فيها، أو يناسب الباب الأول الثاني والعكس، لكن ترتيب أبي داود لسننه ترتيب غريب، تجده أخر أبواب العبادات عن كثير من أبواب المعاملات، بخلاف ترتيب البخاري ومسلم والنسائي والترمذي، لما فرغوا من العبادات بدؤوا بالمعاملات، قدم كتاب النكاح مثلاً على الحج، يقول: "ألفته نسقًا على ما وقع عندي" هذا اجتهاده "فإن ذكر لك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- سنة ليس مما خرجته فاعلم أنه حديثٌ واهنٌ" يعني شديد الضعف، وهذا الكلام لا شك أن فيه نظر، يصفو من السنن قدر زائد على ما أورده في سننه، قدر زائد كبير فضلاً عن غيرهما، وفي الصحيحين أحاديث لا توجد في سنن أبي داود، في الصحيحين، فكيف يقال: إن هذه الأحاديث التي لا توجد عند أبي داود واهية؟ بل هي في أعلى درجات الصحيح، وأصح مما خرجه أبو داود في سننه، أعني ما في الصحيحين مما لا يوجد في سنن أبي داود، ويصفو من كتب السنة ودواوينها شيء كثير، ولعل هذا على حد علمه واجتهاده ومبالغته في الجمع.
"فإن ذكر لك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- سنة ليست مما خرجته فاعلم أنه حديث واهن، إلا أن يكون في كتابي من طريق آخر" يعني قد يوجد في غير كتابي هذا الحديث من طرق، أو في كتب السنة كلها يوردون هذا الحديث كل من طريقه "لكن تجد في كتابي ما يغني عنه مما أخرجه من طريق آخر، فإني لم أخرج الطرق؛ لأنه يكبر على المتعلم" صحيح لو خرج الطرق لهذه الأحاديث الأربعة آلاف وثمانمائة لبلغت، لو افترضنا أن لكل حديث عشر طرق، أو عشرين طريق، في بعضها مائة طريق، وقد تصل إلا مائة ألف طريق، ولا شك أن مثل هذا يكبر حجمه على المتعلم.
"ولا أعرف أحداً جمع الاستقصاء غيري" هذا يقوله أبو داود مع علمه بصحيح البخاري، ومع علمه بمسند الإمام أحمد شيخه الإمام أحمد، ومع علمه بما جمعه الأئمة مما هو أكبر من مصنفه.