لكن الآن من خلال الدراسات النظامية، ومن خلال حرص طلاب العلم على العلم الشرعي الأصيل تجد عندهم جفاف بالنسبة لما يهتم به المتقدمون من الطرائف العلمية والأدبية، وهذه لا شك أنها نافعة جداً لطالب العلم، يستجم بها، وينشط بسببها، وينشط غيره بها؛ فالدرس إذا كان الشيخ ملازم كتابه لا يخرج، لا يطلع يمين ولا يسار هذه طرفة أدبية، هذه نكتة تاريخية، هذه عجيبة من العجائب، هذه حادثة غريبة تجد الطلاب كثيراً منهم ينام، لا شك أن الأصل متين العلم، ومن أجله جلس الشيخ، ومن أجله حضر الطالب، لكن ملح العلم تعين على الاستمرار في تلقي متينه، كما أن النوم يعين على قيام الليل، وكما أن الأكل يعين على بقاء النفس التي يستعملها في طاعة الله، فمثل هذه إذا قصد بها التنشيط على الاستمرار في العلم وطلبه فإن هذا لا شك أنه يثاب عليه، ويكون له حكم المقصد.
"فأملى علينا" بطون الكتب الكبيرة المطولات التي لا يتسنى لأي طالب من طلاب العلم، أو لجميع الطلاب أن يقرؤوا فيها، وإذا قرؤوا في كتاب لم يقرؤوا في آخر، وهكذا فيها من العلوم والكنوز ما لا يمكن الاطلاع عليه، إلا ما كان ديدنه القراءة، وتوسع في القراءة، وتفنن فيها، فمثل هذا المطلع المتفنن الذي دون الفوائد والغرائب والعجائب مثل هذا لو أملى على الطلاب شيئاً ينشطهم، ولو اتخذ طريقة يعني في كل يوم يتحفهم بفائدة أو في غريبة أو طريفة ينشط بها الطلاب، وإلا قد يقول قائل: لماذا لا يجمع هذه الطرائف وهذه الغرائب ويجمعها في كتاب واحد ويطبعه وينتشر ولا حاجة إلى أن يضيع وقت الدرس بهذه الأمور؟ قد يقول قائل مثل هذا، ونقول: نعم يمكن أن يشتريها الطلاب، ويجلسون في بيوتهم، ولا شيء يرغبهم في الدروس، وإذا حضروا الدرس كثير منهم ينام، إذا صار الدرس متين من أوله إلى آخره، هذا الكلام الذي جره مسألة الإملاء، وهي سنة عند أهل العلم اندرست.