فإن الناس والدنيا طريقٌ ... إلى من ما له في الخلق ثاني

يعني أنهم كلهم يتركون في القصد إليه وكذلك جميع الدنيا

لقد علمت نفسي القول فيهم ... كتعليم الطراد بلا سنانِ

يقول علمت نفسي القول في الناس بالشعر في مدائحهم كما يتعلم الطعان أولا بغير سنان ليصير المتعلم ماهرا بالطعان والسنان كذلك أنا تعلمت الشعر في مدح الناس لأتدرج إلى مدحه وخدمته ويروي له علمت أي لأجله وهو أظهر في المعنى

بعضد الدولة امتنعت وعزت ... وليس لغير ذي عضدٍ يدانِ

يقول الدولة امتنعت بعضدها وعزت ولا يد لمن لا عضد له ولا يدفع عن نفسه من لا يد له والمعنى أنه للدولة يد وعضد به تدفع عن نفسها

ولا قبض على البيض المواضي ... ولاحظ من السمر اللدانِ

يقول من لا يدان له لم يقبض على السيوف ولم يطعن بالرماح لأنه لا يتأتى ذلك منه والمعنى أن غيره لا يقوم مقامه في الدفع عن الدولة لأنه عضدها ومن لا عضد له لا يد له ومن لا يد له لم يضارب ولم يطاعن وقوله ولاحظ من السمر أراد ولاحظ من الطعان بها ويروي بالطاء غير معجمة وهو خفض الرماح للطعن

دعته بمفزع الأعضاء منها ... ليوم الحرب بكرٍ أو عوانِ

وروى ابن جنى بموضع الأعضاء وقال أي دعته السيوف بمقابضها والرماح بأعقابها لأنها مواضع الأعضاء منها وحيث يمسك الضارب والطاعن قال ويحتمل أن يريد دعته الدولة بمواضع الأعضاء من السيوف والرماح أي اجتذبته واستمالته قال ابن فورجة هذا مسخ للشعر لا شرح ولا قال الشاعر إلا بمفزع الأعضاء يعني دعته الدولة عضدا والعضد مفزع الأعضاء كأنه شرح قوله بعضد الدولة امتنعت وعزت انتهى كلامه وهو على ما قال يريد أن الدولة سمته عضدها وهي مفزع الأعضاء لأن الأعضاء عند الحرب تفزع إلى العضد والعضد هي الدافعة عنها المحامية لسائر الأعضاء وقوله بكر هو صفة لموصوف محذوف كأنه قال ليوم حربس حربِ بكر أو عوان

فما يسمى كفناخسر مسمٍ ... ولا يكنى كفناخسر كاني

أسمى وسمى بمعنًى أراد أنه لا نظير له فما يدعى أحد باسمٍ ولا بكنيةٍ هو مثله وأراد بالمسمى والكاني الداعي بالأسم والكنية

ولا تحصى فضائلهُ بظنٍّ ... ولا الإخبارِ عنه ولا العيانِ

يريد أن الظن على سعته وكذلك الأخبار لا يحيطان بوصفه وكان حقه أن يقول عنها لكنه علقه به لأقامة الوزن أراد ولا الإخبار عنه بها

أروض الناس من تربٍ وخوفٍ ... وأرضُ أبي شجاع من أمانِ

أروض في جمع أرض قياسٌ لا سماعُ ونص سيبويه على أن العرب لا تجمع الأرض جمع تكسير قال واستغنوا عن تكسيرها بأرضات وأرضين على أن أبا زيد قد حكى في جمع أرض أروض وأراد بالناس هاهنا الملوك يقول أرض الملوك مخلوقة من التراب والخوف جميعا لأن الخوف ملازم لها وغير مفارقها فكأنها خلقت منه كما خلقت من التراب كقوله تعالى خلق الإنسان من عجلٍ لما كان في أكثر أحواله عجلا صار كأنه مخلوق من عجلة وأرض الممدوح كأنها مخلوقة من الأمان للزوم الأمن لها والمعنى أن أحدا لا يعيث في نواحي مملكته هيبةً له وخوفا منه

يذم على اللصوص لكل تجرٍ ... ويضمن للصوارمِ كل جاني

تجر جمع تاجر مثل شرب جمع شارب لكن المتنبي أجرى التجر مجرى الواحد ذهابا إلى أنه واحد التجار يقول يجير التاجرين على اللصوص أي يحفظهم منهم فلا يخافون اللصوص ويضمن لسيوفه كل من جنى جنايةً أي يقتله

إذا طلبت ودائعهم ثقاتٍ ... دفعنَ إلى المحاني والرعانِ

يقول ودائع التجار محفوظة في محاني الأودية ورعان الجبال فكأنها عند ثقاتٍ أمناء أي إذا تركوها هناك أمنوا ولم يخافوا

فباتت فوقهن بلا صحابٍ ... تصيح بمن يمر أما تراتي

يقول باتت بضائع التجار فوق المحاني والرعان ظاهرةً للناظرين وكأنها تقول لمن مر بها أما تراني يعني لا حرز دونها إنما يحفظها هيبتهُ

رقاه كل أبيض مشرفيٍّ ... لكلٍّ أصمَّ صلٍّ أفعوانِ

الصل ضرب من الحيات والأفعوان الذكر منها جعل اللصوص كالأفاعي وجعل سيوفه رقًى لتلك الأفاعي فكما أن الحية تدفع بالرقية كذلك هو يدفع اللصوص بسيوفه

وما يرقي لهاهُ من نداهُ ... ولا المال الكريم من الهوانِ

حمى أطراف فارس شمريٌّ ... يحض على التباقي بالتفاني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015