يقول خيله مؤدبة بطول قوده إياها إلى القتال حتى أنها تفهم الإشارة إليها من بعيد
أي تجيبه بالفعل من غير أن تسمع الصوت ويسمعها بالإشارة بالطرف من غير أن يتكلم وهذا المعنى من قول الشاعر، هل تذكرين إذ الركاب مناخةٌ، برحالها لوداع أهل الموسم، إذ نحن تخبرنا الحواجب بيننا، وما في النفوس ونحن لم نتكلم،
يقول تميل خيلك عن جانب اليمين كأنها ترحم ميافارقين لو سارت على جانبها يعني لو مالت عليها لداستها بحوافرها فهي كأنها ترحمها فلا تميل على جانبها.
يقول لو زحمتها الخيل بمناكبها أو لو زحمت البلدة الخيل بجدرها وسماها مناكب لأن الزحام يكون بالمناكب يعني لو جرت بينهما مزاحمة درت البلدة أي الجدارين الضعيف المهدم يعني أن الخيل أقوى من هذه البلدة فهي لو قصدتها لهدمت سورها فكانت تعلم أن سورها ضعيف لا يقوى على دفع خيل سيف الدولة وروى ابن جنى سورينا يعني سور الخيل وسور البناء ومن روى بالهاء عادت الكناية إلى الخيل والبلدة جميعا واستعار للخيل سورا لأنه ذكرها مع البلدة وجمعهما في المزاحمة واستعار لقوة الخيل اسم السور لما كانت قوة البلدة بالسور قال ابن جنى ومن طريف ما جرى هناك أن المتنبي انشد هذه القصيدة عصرا وسقط سور المدينة تلك الليلة وكان جاهليا.
قوله على كل طاو من صلة قوله وكل فتى على كل فرس ضامر تحت رجل ضامر كأنه يسقى من دمه ويطعم من لحمه من ضمره يعني الفرس كأنه ليس له غذاء ولا شرب إلا من جسمه فهو يزداد كل يوم ضمرا ويحتمل أني ريد اقتحامها على الأعداء وتوغلها فيهم فكأن مطعمها من لحومهم ومشربها من دمائهم فهي تسرع في طلبهم لتدرك مطعمها ومشربها والطاوي الضامر البطن.
لهذه الخيل في الحرب لبس فوارسها لأنها قد ألبست التجافيف صونا لها فكل فرس منها ذو درع من التجافيف وذو لثام بما أرسل على وجهها.
يقول لم محصنوها بالدروع بخلا بنفوسهم لأنهم شجعان لايبالون بالقتل غير انهم يتقون شر الأعداء فيدفعون ذلك بمثله وهو فعل الحازم اللبيب ومن شهد الحرب غير مستعد ولا متسلح كان ذلك خرقا وهوجا ألا ترى أن كثيرا لما قال لعبد الملك علي ابن أبي العاصي دلاص حصينة، أجاد المسدى سردها وأذالها، قال له هلا مدحتني كما مدح الأعشى صاحبه في قوله، وإذا تكون كثيبة ملمومة، شهباء يخشى الزائدون نهالها، كنت المقدم غير لابس جنةٍ، بالسيف تقتل معلما أبطالها، قال له كثير أنه وصف صاحبه بالخرق وأنا وصفتك بالحزامة ويريد بالشر الأول شر الأعداء وما جاؤوا به من العدد والأسلحة وبالثاني ما عارضوهم بمثله وسما لا شرا على المقابلة كقوله تعالى وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها.
أتظن السيوف بأن سميت سيفا أنها تشاركك في الأصل وأنك من جملتها ساء هذا الوهم وهماً يعني أنك وإن سميتَ سيفا فإنك أشرف من سيوف الهند وأجل منها شأنا وأعظم اصلا.
يقول إذا سميناك سيفا خلنا سيوفنا تتكبر بأن صرت لها سميا وهي تتبسم تيها وفخرا
بدونه معناه بدون قدره واستحقاقه يقول لم أر ملكا يلقب بدون ما يستحق فيرضى بذلك ولكن الناس يجهلون قدرك وأنت تحلم عنهم فلا تعاقبهم على جهلهم.
أخذت على أرواح أعدائك طريق عيشهم إليها فليس يعيشون لأنك فرقت بينهم وبين أرواحهم بالقتل وأنت تعطى من تشاء وتحرم لأنك ملك وقد فسر هذا فيما بعدُ
هذا من قول أبي العتاهية، فما آفة الآجال غيرك في الوغا، وما آفة الأموال غير حبائك.