يقول أي حاجة لهؤلاء النسوة اللاتي معك في السفر إلى القمر بالليل فإن من وجدك لم يعدم القمر والمعنى أنها في الدجى تقوم مقام القمر وهو من قول البحتري، أضرت بضوء البدر والبدر طالع، وقامت مقام البدر لما تغيبا، وقول الآخر، إن بيتاً أنت ساكنه، غير محتاجٍ إلى السرج،
الرازم والرازح الذي قد قام من الإعياء فلا يبرح والمعنى أن الإبل الرازحة التي كلت وعجزت عن المشي إذا نظرت إليك عاشت أنفسها وعادت قوتها فكيف بنا وهذا تأكيد للمعنى الأول في قوله تغرم الأولى البيت ويقال أثاب فلان إذا ثاب إليه جسمه وصلح بدنه ومعنى قوله العيون كل عين يقول إذا ظهرت للناظرين صلحت حال المطايا وهي لا تعقل بالنظر إليك فما الظن بنا وحياتنا برؤيتك وهذا كله معنى قول ابن جنى أن الإبل الرازحة إذا نظرت إليك عاشت أنفسها فكيف بنا وقال ابن فورجة إنما يعني بالمطي أصحابها والإبل لا فائدة لها في النظرإلى هذه المحبوبة وإن فاقت حسنا وجمالا وإنما ركابها يرون بذلك والقول ما قاله أبو الفتح لأن الإبل التي لا عقل لها يتاثر فيها النظر على مقتضى المبالغة والتعمق في المعنى لا على الحقيقة كعادة الشعراء في المبالغة وذكر المطي على اللفظ كتذكير النخل والسحاب وما اشبههما من الجمع
يقول هذا الحبيب منفرد بالحسن لا حظ لغيره فيه فكان الحسن أحبه فاستخلصه لنفسه دون غيره أو من قسم الحسن بين الناس جار فأعطاه جميع الحسن وحرمه غيره من الناس
ذكر أنه منيع عزيز يحفظ بالرماح فلا يقع عليه سباء لأن رماح قومه تمنع دون ذاك كما قال، بصم القنا يحفظن لا بالتمائم، وكرائم كل حيٍّ تسبى له وتجبى إليه ليخدمنه ويروى تجول بالجيم والحاء أشبه بالمعنى.
الكباء العود الذي يتبخر به ونشره رائحته يقو لأدنى ستر إليك أيها الطالب الوصول إليه غبار الخيل وأبعد ستر عنك نشر الكباء الذي يلزمه يريد أن دخان العود الذي يتبخر به كثر عنده حتى قد صار كالحجاب بينه وبين من يطلبه ويروي أولها نشر الكباء يعني أول ستر دونها مما يليها ويمكن أن يقلب هذا فيقال أدنى سترٍ إليها من الستور دونها غبار الخيل وأبعد سترٍ عنها نشر الكباء يعني أن غبار الخيل كثر حتى وصل إليها فصار أدنى ستر منها دونها وكذلك أرتفع دخان العود حتى تباعد منها الدخان فصار آخر ستر دونها وهذا اشبه بطريقة المتنبي في أيثاره المبالغة.
يذكر كثرة ما لقي من صروف الدهر وما مني به من فراق الأحبة حتى لا يستغرب فراقا رآه ولا تريه عينه شيئا لم يعلمه قلبه والمصراع الأول من قول طفيل، وما أنا بالمستنكر البين إنني، بذي لطف الجيران قدما مفجع، والثاني من قول عديّ بن الرقاع، وعرفت حتى لست أسأل عالما، عن حرف واحدةٍ لكي أزدادها، ومثله لأبي الطيب، عرفت الليالي قبل ما صنعت بنا، فلما دهتني لم تزدني بها علما، ومثله للأعور الشني، لقد أصبحت ما أحتاج فيما، بلوت من الأمور إلى السؤال،
يقول لا يتهمني الأعداء بالخوف من الردى والجزع من الفراق فإني قد ذقت المرارات حتى أعتدت ذوقها فلا استمرها والعلقم أشد الأشياء مرارةً وهو لا يحلو لأحد ولكن من اعتاد ذوقه لم يصعب عليه مرارته فكأنه قد حلا له ومعنى رعيت الردى رعيت أسباب الردى من المخاوف والمهالك وكنى بالعلاقم عن المرارات ولهذا قال رعيت لأن العلقم مما يرعى والمعنى أني لا أجزع من الفراق وأن عظم أمره واشتدت مرارته لاعتيادي ذلك كقول الآخر، وفارقت حتى ما أبالي من النوى، وإن بان جيران عليّ كرامُ، وقول المؤرخ، روعت بالبين حتى لا أراع له، وبالمصائب في أهلي وجيران، وهذا المعنى ظاهر في قول الخريمي، لقد وقرتني الحادثات فما أرى لنازلةٍ من ريبها أتوجع،