قال ابن جنى أي منافع الأحداث أن تجوع وأن تظمأ وهذا ضار لغيرها ومعنى جوعها أو ظمئها أن تهلك الناس فتخلى عنهم الدنيا قال ابن فورجة الضمير في منافعها للجدة المرثية يعني أنها قتين قليلة الطعم تؤثر بالطعام على نفسها فتجوع وتظمأ لتنفع غيرها وتم الكلام ثم جعل المصراع الثاني تفسيرا للمصراع الأول فقال غذاؤها وريها في أ، تجوع وتظمأ لأن سرورها بإطعام غيرها يقوم مقام تغذيها وترويها أما قول ابن جنى فليس بالوجه فليس بالوجه ولا وجه لجوع الاحداث وظمئها على ما ذكر فأما قول ابن فورجة فيصبح على تقدير منافعها ما ضرها في نفع غيرها وهي الجوع والعطش بائثار غيرها بالطعام والشراب وذلك ضر ينفع غيرها وهذا صحيح من هذا الوجه غير أن الأولى ردّ الكناية إلى الأحداث والليالي لا إلى الجدّة والمعنى منافع الليالي في مضرة غيرها من الناس ثم ذكر ذلك وفسر فقال غذاؤها وريها في أن تجوع أيها المخاطب وتظمأ لولوعها بالإساءة بنا كأن ريها وشعبها في جوعنا وظمئنا ويروى نجوع ونظمأ بالنون على ما ذكرنا من التفسير ويجوز أن يكون تجوع وتظمأ بالتاء خبرا عن الليالي والمعنى غذاؤها وريها جوعها وعطشها أي لا ريَّ لها ولا شبع لأنها لا تروى ولا تشبع من أهلاك الأنفس وازهاق الأرواح وتقدير ما ضر في نفع غيرها ما أثر في نفع غيرها بالضرر كأنه قال منافعها في ضر غيرها
أي كثر حزني بفقدها حتى كأني ميت حزنا
إنما تعجبت لأنه سافر عنها حتى يئست منه فلما وصل إليها كتابه تعجبت من ذلك حتى كأنها رأت غرابا اعصم وهو قليل الوجود في الغربان أو تعجبت منه لفصاحته وحسنه الأعصم الغراب الذي في جناحه بياض
يقول تقبل الكتاب وتضعه على عينيها حتى صارت أنيابها وما حول عينيها سودا بمداده
يعني لما ماتت انقطع ما كان يجري من دمعها على فراقي ويبست جفونها عن الدمع وسليت عني بعد ما ادمي حنّي قلبها في حياتها.
لم يسلها عني إلا الموت والموت الذي أذهب سقمها بالحزن لأجلي كان اشد من السقم كما قال الطاءي، أقول وقد قالوا استراحت بموتها، من الكرب روح الموت شر من الكرب،
يقول إنما سافرت لأطلب لها حظا من الدنيا ففاتني بموتها ولم أحد ذلك الحظ الذي طلبته وكانت قد رضيت بي حظا من الدنيا لو كنت أرضى أنا بها.
يقول بعد أن كنت استسقي الحرب والرماح دماء الأعداء صرت استسقي السحاب لقبرها فأقول سقى الله قبرها على عادة العرب في الدعاء للقبور بسقيا السماء يعني تركت الحرب وجدا بها اشتغلت بالدعاء لها.
أي كنت قبل موتها استعظم فراقها وقد صارت حادثة الفراق صغيرة بموتها وكانت عظيمة يعني أن موتها أعظم من فراقها.
يقول اجعليني بمنزلة من أخذ ثارك من الأعداء لو قتلوك فكيف آخذ ثارك من العلة التي قتلتك ولا سبيل إلى ذلك
يقول لم تسند عليّ الدنيا لأنها ضيقة بل هي واسعة ولكنني كالأعمى لفقدك والأعمى تنسد عليه المسالك
اللذ لغة في الذي وتثنيته اللذا ومنه قول الأخطل، أبني كليبٍ إن عمى اللذا، والمتنبي قال بهذه اللغة ويجوز أن يكون أراد اللذين فحذف النون لطول الأسم بالصلة ويقال أكب على الشيء مثل انكب يقول ما أشد حظني أن لا أنكب عليك مقبلا رأسك وصدرك اللذين ملئا حزامة وعقلا