قول الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} ، وقد جمع الله بين الهدايتَين في قوله: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ، فقوله: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ} أي: كلَّ أحد، فحُذف المفعول لإرادة العموم، وهذه هي هداية الدلالة والإرشاد، وقوله: {وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (أظهرَ المفعولَ لإفادة الخصوص، وهي هداية التوفيق.
السابعة: الإيمانُ عند أهل السُّنَّة والجماعة يتألَّف من اعتقاد بالقلب وقول باللِّسان وعمل بالجوارح، فهذه الأمورُ الثلاثة داخلةٌ عندهم في مُسمَّى الإيمان، قال الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ لَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} ، ففي هذه الآيات دخول أعمال القلوب وأعمال الجوارح في الإيمان.
وروى مسلم في صحيحه (58) عن أبي هريرة رضىالله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإيمانُ بضعٌ وسبعون أو بضعٌ وستون شعبة، فأفضلُها قول لا إله إلاَّ الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياءُ شعبة من الإيمان"، فقد دلَّ الحديثُ على أنَّ ما يقوم بالقلب واللِّسان والجوارح من الإيمان، وأمَّا ما جاء في القرآن من آيات كثيرة فيها عطف العمل الصالح على الإيمان، كما في قول الله عزَّ وجلَّ: {إِنَّّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً} ، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ} ، وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} ، فلا يدلُّ العطف على عدم