{اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} ، وقال: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}
وأمَّا الجبرية، فهم الذين سَلَبُوا عن العبد الاختيارَ، ولَم يجعلوا له مشيئةً وإرداةً، وسَوَّوا بين الحركات الاختيارية والحركات الاضطرارية، وزعموا أنَّ كلَّ حركاتهم بمنْزلة حركات الأشجار، وأنَّ حركةَ الآكلِ والشارب والمصلِّي والصائم كحركة المُرتعش، ليس للإنسان فيها كسبٌ ولا إرادة، وعلى هذا فما فائدةُ إرسال الرُّسل وإنزال الكتب، ومن المعلوم قطعاً أنَّ للعبد مشيئةً وإرادةً، يُحمَد على أفعاله الحسنة، ويُثاب عليها، ويُذمُّ على أفعاله السيِّئة ويُعاقب عليها، وأفعالُه الاختيارية يُنسبُ إليه فعلُها وكسبُها، وأمَّا الحركات الاضطرارية كحركة المرتعش فلا يُقال: إنَّها فعلٌ له، وإنَّما هي صفةٌ له، ولهذا يقول النَّحويُّون في تعريف الفاعل: هو اسمٌ مرفوعٌ يدلُّ على مَن حصل منه الحَدَث أو قام به، ومرادُهم بحصول الحَدَث: الأفعال الاختيارية التي وقعت بمشيئة العبد وإرادته، ومرادُهم بقيام الحَدَث: ما لا يقع تحت المشيئة، كالموت والمرض والارتعاش ونحو ذلك، فإذا قيل: أَكَلَ زيدٌ وشرب وصلَّى وصام، فزيدٌ فيها فاعلٌ حصل منه الحَدَث، الذي هو الأكل والشربُ والصلاة والصيام، وإذا قيل: مرض زيدٌ أو مات زيدٌ أو ارتعشت يدُه، فإنَّ الحدَثَ ليس من فعل زيد، وإنَّما هو وصفٌ قام به.
وأهل السُّنَّة والجماعة وسَطٌ بين الجبرية الغلاة في الإثبات، والقدرية النفاة؛ فإنَّهم أثبتوا للعبد مشيئةً، وأثبتوا للربِّ مشيئةً عامَّة، وجعلوا مشيئةَ العبد تابعةً لمشيئة الله، كما قال الله عزَّ وجلَّ: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} ، فلا يقع في مُلك