وقد عقد ابن القيم في كتابه شفاء العليل البابَ الثالث للكلام عن هذا الحديث، فذكر ما قيل في معناه من أقوال باطلة، وذَكَرَ الآيات التي فيها احتجاجُ المشركين على شركهم بالقدر، وأنَّ الله أَكذَبَهم؛ لأنَّهم باقون على شركهم وكفرهم، وما قالوه هو من الحقِّ الذي أُريد به باطل، ثم ذكر توجيهَين لمعنى الحديث، أوَّلهما لشيخه شيخ الإسلام ابن تيمية، والثاني من فهمه واستنباطه، فقال (ص:35 ـ 36) : "إذا عرفتَ هذا، فموسى أعرفُ بالله وأسمائه وصفاته من أن يَلومَ على ذنب قد تاب منه فاعلُه، فاجتباه ربُّه بعده وهداه واصطفاه، وآدمُ أعرفُ بربِّه من أن يحتجَّ بقضائه وقدَره على معصيته، بل إنَّما لامَ موسى آدمَ على المصيبة التي نالت الذريَّة بخروجهم من الجنَّة، ونزولهم إلى دار الابتلاء والمحنة، بسبب خطيئة أبيهم، فذكر الخطيئةَ تنبيهاً على سبب المصيبة والمحنة التي نالت الذريَّةَ، ولهذا قال له: أخرجتَنا ونفسَك من الجنة، وفي لفظ (خيَّبتنَا) ، فاحتجَّ آدمُ بالقدر على المصيبة، وقال: إنَّ هذه المصيبةَ التي نالت الذريَّة بسبب خطيئتِي كانت مكتوبةً بقدره قبل خلْقي، والقدرُ يُحتجُّ به في المصائب دون المعائب، أي: أتلومُنِي على مصيبة قُدِّرت عليَّ وعليكم قبل خلْقي بكذا وكذا سنة، هذا جوابُ شيخنا رحمه الله، وقد يتوجَّه جوابٌ آخر، وهو أنَّ الاحتجاجَ بالقدر على الذنب ينفعُ في موضع ويضرُّ في موضع؛ فينفع إذا احتجَّ به بعد وقوعه والتوبة منه وترك مُعاودته، كما فعل آدمُ، فيكون في ذِكر القدر إذ ذاك من التوحيد ومعرفة أسماء الربِّ وصفاته وذكرها ما ينتفع به الذَّاكر والسامع؛ لأنَّه لا يدفعُ بالقدر أمراً ولا نَهياً، ولا يُبطل به شريعةً، بل يُخبر بالحقِّ المحض على وجه التوحيد والبراءة من الحول والقوَّة، يوضحه أنَّ آدمَ قال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015