فجعل المقام بينه وبين البيت، فكان أبي يقول: ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقرأ في الركعتين قل هو الله أحد، وقل يا أيها الكافرون، ثم رجع إلى الركن فاستلمه ..
بارك الله فيك.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
ففي هذه الليالي المباركة -إن شاء الله تعالى- نعرض بشيءٍ من الإيجاز والاختصار مع التوضيح حسب الإمكان لحديثٍ من أطول الأحاديث في الصحيح، وهو حديث جابر -رضي الله عنه- في صفة حج النبي -عليه الصلاة والسلام-، وحديث جابر حديث عظيم جليل عني به العلماء، وأوسعوه بحثاً، وألفوا فيه المؤلفات، وهو حري بذلك وجدير.
ابن المنذر صنف كتاباً استنبط من الحديث ما يزيد على خمسين ومائة مسألة، وهو قابل لأكثر من ذلك، وشرح الحديث في ليالٍ معدودات إنما يكون من باب ما لا يدرك كله لا يترك جله، وإن كان الجل أيضاً تجوز، إنما نعرض بشرح الحديث بشيءٍ من الاختصار والإيجاز، ونقف وقوفاً نتمهل فيه قليلاً عند بعض الأحكام التي تمس إليها الحاجة.
وجابر -رضي الله عنه- ضبط الحجة وأتقنها من خروجه -عليه الصلاة والسلام- من داره من المدينة إلى رجوعه إليها، ولذلك يرجح كثير من أهل العلم ما يقع فيه التعارض بين حديثه وبين حديث غيره من الصحابة، ولو كان الحديث الآخر في الصحيح -في البخاري مثلاً- لأن جابراً صارت له العناية التامة بحجة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فالحديث عظيم، ويحتاج شرحه واستيفاء مباحثه إلى بسطٍ طويل، ووقتٍ طويلٍ جداً.
حديث جابر يرويه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- من أفعاله، ووصف الحجة من أولها إلى آخرها وهي مخرجة في صحيح مسلم دون البخاري، فالحديث من أفراد مسلم، وإن جاءت بعض جمله عن غير جابر من الصحابة في الصحيح، وسيأتي التنبيه على شيءٍ من ذلك -إن شاء الله تعالى-.