الرسول -عليه الصلاة والسلام- جاء عنه أنه حج مفرداً، وثبت أنه تمتع، وثبت في رواية الأكثر أنه حج قارناً، وهذا الكلام يؤيد القول بأنه كان قارناً، فقال: ((لو أني استقبلت من أمري لم أسق الهدي وجعلتها عمرة)) دل على أنه لم يعتمر عمرة كاملة بطوافها وسعيها وتقصيرها والتحلل الكامل منها، فهذا يؤيد أنه -عليه الصلاة والسلام- كان قارناً، إذاً كيف يصح عنه أنه حج مفرداً؟ وكيف يثبت عن الصحابة أنهم قالوا: تمتع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتمتعنا معه؟ ثم نقول هذا الكلام أنه كان قارناً؟ هل نقول: بتعدد القصة؟ يعني مرة متمتع ومرة قارن مرة مفرد، النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يحج إلا مرة واحدة بعد فرض الحج إجماعاً، وأشرنا في درس الأمس أنه حج قبل الهجرة مرة أو مرتين على عادة قومه، وإرثهم من أبيهم إبراهيم.

وحديث جبير بن مطعم في الصحيحين، وأنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- بعرفة واستنكر حديث ابن مطعم أن يقف النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو من الحمص، لكن هذه الحجة قبل حجة الوداع، قبل الهجرة، إذاً الرسول -عليه الصلاة والسلام- حج بعد فرض الحج مرة واحدة إجماعاً فلا بد من التوفيق بين هذه الروايات، بعض أهل العلم ممن يجبن عن توهيم الرواة يقول: بتعدد القصة، كما هو الشأن في صلاة الكسوف ففي الصحيحين أنه -عليه الصلاة والسلام- صلى صلاة الكسوف ركعتين، في كل ركعة ركوعان، وفي صحيح مسلم ثلاث ركوعات، وجاء أربع ركعات، في سنن أبي داوود خمسة ركوعات في كل ركعة، قال بعضهم: بتعدد القصة، وأنه صلى صلاة الكسوف على وجوه وصور مختلفة، كما صلى صلاة الخوف كذلك، وشيخ الإسلام يقسم أنه ما صلاها إلا مرة وأن إبراهيم لم يمت إلا مرة؛ لأن النصوص كلها تنص على أنه لما مات إبراهيم كسفت الشمس، فالذي يجبن تخطئة الرواة الثقاة يقول: بتعدد القصة، والذي يجرؤ ويقول: لا مانع من أن يخطئ الثقة والأمر كذلك، فالراوي مهما بلغ من الحفظ والضبط والإتقان يخطئ، يتطرق إليه السهو والغفلة والنسيان ليس بمعصوم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015