لكن ينبغي أن يحفظ لأهل العلم مكانتهم وكرامتهم ولا يزدرى أحد على حساب أحد، ولعل هذا من إفرازات ما شاع قبل عشرين سنة أو أكثر من نبذ التقليد والتقليل من شأن فقهاء الأمة وكتب الفقه، صاروا يبحثون عمن يعتني بالدليل وهذا أمر مطلوب، لكن الأئمة الكبار فقهاء الإسلام وعلماء الأنصار هم أهل الدليل في الجملة، الإمام مالك، الإمام أحمد، الشافعي، إسحاق، غيرهم من الأئمة، هؤلاء هم المحدثون وفي الوقت نفسه هم الفقهاء، فلا انفكاك بين الفقه والحديث، فإذا قال قائل بركعتي الإحرام ليس معناه أنه يستهين بالقول الآخر، أو يستهين بمن قاله؟ لا، أو قال بعدم صلاة النافلة في وقت النهي، الأمر كذلك، لكن ينبغي التوسط في الأمور كلها، وإنزال الناس منازلهم؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أنزلوا الناس منازلهم)) وعائشة تقول: "أمرنا أن ننزل الناس منازلهم" وهذا مر بنا بالأمس.
يقول: هل يصلي ركعتي الإحرام في وقت النهي؟
نقول: لا، لا يصلي ركعتي الإحرام في وقت النهي، أوقات النهي الخمسة لا تصلى فيها ركعتا الإحرام، لثبوت النهي، عقبة بن عامر يقول: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" حديث عمر وغيره في النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر معروف، فللتعارض المذكور يغلب جانب الحظر فتمنع الصلاة في هذه الأوقات على تفصيلٍ طويل في هذه المسألة، لأن من يتصدر للإجابة على أسئلة الناس من يقول: أحاديث النهي عامة، وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام، نعلم أن المنع من التنفل في أوقات النهي هو قول الجمهور، المالكية والحنفية والحنابلة، ويقول الشافعية بفعل ذوات الأسباب في أوقات النهي، فإذا قال الشافعي ومن يقول بقوله: تفعل ذوات الأسباب؛ لأن أدلتها خاصة وأحاديث النهي عامة، قال الطرف الآخر: بالعكس، يمنع من التنفل في هذه الأوقات؛ لأن أحاديث النهي خاصة بهذه الأوقات، وأحاديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات، فليس قول أحدهما بأولى بالقبول من قول الآخر.
وعلى كل حال هذا التعارض بين النصوص من باب العموم والخصوص الوجهي، ولذا تعد هذه المسألة من عضل المسائل والترجيح فيها في غاية الصعوبة، يعني لا يجرؤ طالب أو متعالم ....