فإذا قيل: علم زيد، ونزول زيد، واستواء زيد، ونحو ذلك، لم يدل هذا إلا على ما يختص به زيدٌ من علم ونزول واستواء ونحو ذلك، لم يدل على ما يشركه فيه غيره. لكن لما علمنا أن زيدًا نظير عمرو، وعلمنا أن علمه نظير علمه، ونزوله نظير نزوله، واستواءه نظير استوائه، فهذا علمناه من جهة القياس والمعقول والاعتبار، لا من جهة دلالة اللفظ، فإذا كان هذا في صفات المخلوق؛ فذلك في الخالق أولى.
فإذا قيل: علم الله وكلام الله ونزوله واستواؤه ووجوده وحياته ونحو ذلك، لم يدل ذلك على ما يشركه فيه أحد من المخلوقين بطريق الأولى، ولم يدل ذلك على مماثلة الغير له في ذلك كما دل في زيد وعمرو؛ لأنا هناك علمنا التماثل من جهة الاعتبار والقياس لكون زيد مثل عمرو، وهنا نعلم أن الله لا مثل له ولا كفو ولا ند، فلا يجوز أن نفهم من ذلك أن علمه مثل علم غيره، ولا كلامه مثل كلام غيره، ولا استواءه مثل استواء غيره، ولا نزوله مثل نزول غيره، ولا حياته مثل حياة غيره.
ولهذا كان مذهب السلف والأئمة إثبات الصفات، ونفي مماثلتها لصفات المخلوقات. فالله ـ تعالى ـ موصوف بصفات الكمال الذي لا نقص فيه، منزه عن صفات النقص مطلقًا، ومنزه عن أن يمثاله غيره في صفات كماله، فهذان المعنيان جمعا التنزيه، وقد دل عليهما قوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 1، 2] . فالاسم [الصمد] يتضمن صفات الكمال، والاسم [الأحد] يتضمن نفي المثل كما قد بسط الكلام على ذلك في تفسير هذه السورة.
فالقول في صفاته كالقول في ذاته، والله ـ تعالى ـ ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، لكن يفهم من ذلك أن نسبة هذه الصفة إلى موصوفها كنسبة هذه الصفة إلى موصوفها. فعلم الله وكلامه ونزوله واستواؤه، هو كما يناسب ذاته ويليق بها، كما أن صفة العبد هي كما تناسب ذاته وتليق بها، ونسبة صفاته إلى ذاته كنسبة صفات العبد إلى ذاته؛