به الرسول، وحصل اضطراب في المعقول به، فحصل نقص في معرفة السمع والعقل، وإن كان هذا النقص هو منتهي قدرة صاحبه لا يقدر على إزالته، فالعجز يكون عذرًا للإنسان في أن الله لا يعذبه إذا اجتهد الاجتهاد التام. هذا على قول السلف والأئمة في أن من اتقى الله ما استطاع، إذا عجز عن معرفة بعض الحق لم يعذب به.
وأما من قال من الجهمية ونحوهم: إنه قد يعذب العاجزين، ومن قال من المعتزلة ونحوهم من القدرية: إن كل مجتهد فإنه لابد أن يعرف الحق، وإن من لم يعرفه فلتفريطه لا لعجزه، فهما قولان ضعيفان، وبسببهما صارت الطوائف المختلفة من أهل القبلة يكفر بعضهم بعضًا، ويلعن بعضم بعضًا.
فيقال لأرسطو وأتباعه ـ ممن رأى دوام الفاعلية ولوازمها: العقل الصريح لا يدل على قدم شيء بعينه من العالم، لا فلك ولا غيره، وإنما يدل على أن الرب لم يزل فاعلاً. وحينئذ فإذا قدر أنه لم يزل يخلق شيئا بعد شيء كان كل ما سواه مخلوقًا محدثا مسبوقًا بالعدم، ولم يكن من العالم شيء قديم، وهذا التقدير ليس معكم ما يبطله فلماذا تنفونه؟ ! ونفس قدر الفعل هو المسمى بالزمان، فإن الزمان إذا قيل: أنه مقدار الحركة، كان جنس الزمان مقدار جنس الحركة، لا يتعين في ذلك أن يكون مقدار حركة الشمس أو الفلك.
وأهل الملل متفقون على أن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام، وخلق ذلك من مادة كانت موجودة قبل هذه السموات والأرض، وهو الدخان الذي هو البخار، كما قال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: 11] ، وهذا الدخان هو بخار الماء الذي كان حينئذ موجودًا، كما جاءت بذلك الآثار عن الصحابة والتابعين، وكما عليه أهل الكتاب، كما ذكر هذا كله في موضع آخر. وتلك الأيام لم تكن مقدار حركة هذه الشمس وهذا الفلك، فإن هذا مما خلق في تلك الأيام، بل تلك الأيام مقدرة بحركة أخرى. وكذلك إذا