القول بعدم تكفير أحد من أهل البدع

[ومنهم من لم يكفر أحداً من هؤلاء، إلحاقاً لأهل البدع بأهل المعاصي، قالوا: فكما أن من أصول أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون أحداً بذنب فكذلك لا يكفرون أحداً ببدعة].

وهذا تقرير طائفة من أصحاب الأئمة المائلين إلى الطرق الكلامية، أو المتأثرين بطرق المرجئة كما هو شأن طائفة من أصحاب أبي حنيفة رحمه الله، وهو أنهم يطلقون ذلك ويجعلونه من البناء على الأصل، أي: يردون مسألة تكفير أهل البدع إلى أصل يدعون إنه مستقر عند أهل السنة، وهو أنهم لا يكفرون بالمعاصي والذنوب، ويرون أن حقيقة هذه البدع أنها معاصي ..

وهذا التقرير والبناء ليس بمحقق؛ لأن القول بأن من أصول أهل السنة: أنهم لا يكفرون أحداً بذنب قول مجمل؛ فإن الذنب كلمة مجملة، فإذا ما أريد بالذنب الكبائر دون الشرك بالله والكفر به فلا شك أن من أصول أهل السنة أنهم لا يكفرون أحداً بذنب.

وأما إذا أريد بالذنب الإطلاق فليس بصحيح؛ فإن الشرك يسمى -كما في الصحيحين- ذنباً: (أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: أن تجعل لله نداً وهو خلقك) ففي هذا الحديث أقر النبي صلى الله عليه وسلم السائل على تسمية الشرك ذنباً.

إذاً: هذا الإطلاق: أن من أصول أهل السنة أنهم لا يكفرون بالذنوب.

يقال: هذا إطلاق مجمل، إن أريد بالذنب ما دون الكفر والشرك فهو صحيح، وإن لم يرد ذلك فهذا لا شك أنه غلط على أهل السنة؛ فإنهم يكفرون بالشرك، والتكفير بالكفر والشرك مجمع عليه بين المسلمين، وليس فيه مادة من النزاع.

إذاً: التفريع على مسألة حكم أهل الكبائر في أهل البدع ليس بالمحكم؛ لأن الكبائر في نفسها ليست كفراً، لأن الكبائر مهما كان صاحبها مفرطاً فإنه لا يكون كافراً، إلا إذا استحل أو ما إلى ذلك؛ وأما هذه البدع فإنها متعلقة بالتصديقات، ولهذا يدخل مقامها قدر من الرد، أو المعاندة، أو الإباء، فهي محتملة لأن يقارنها شيء كثير من موجبات الكفر.

والنتيجة من هذا: أن بناء مسألة تكفير أهل البدع على مسألة الكبائر بناء ليس بمحقق؛ لأن المناط مختلف، فالكبائر هي قدر من المعصية والمخالفة يفعلها العبد لحظ نفسه وشهوته، وأما هذه البدع فهي مقامات من الديانة؛ ولهذا من يفعلها إنما يقصد بها التدين، فإذا ما كان هذا التدين فيه قدر من المعاندة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم أو الإعراض عنها فهذه مقامات يدخلها شيء من مادة الكفر، وإن لم يلزم من ذلك أن كل من ابتدع يكون كافراً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015