حكم زيادة لفظة: (على فهم السلف الصالح)

هنا طريقة يقررها البعض أحياناً وهي أنه لابد أن يقال: الكتاب والسنة والإجماع على فهم السلف الصالح، فيذكرون هذا القيد وهو: على فهم السلف الصالح.

وهذا القيد هو قيدٌ بياني على الصحيح، وليس قيداً لازماً، بمعنى أنه قيد فاضل صحيح إذا اقتضت الحاجة إلى ذكره ذكر، وهو من جنس كلمة سهل بن عبد الله في الإيمان، حيث قال: "الإيمان قولٌ وعملٌ ونية واتباع".

فقوله: "واتباع" أي: للسنة، ليس خطأ، لكنه ليس قيداً لازماً؛ لأننا لو قلنا: الإيمان قولٌ وعمل ونية كان كافياً، ولا يلزم أن نقول: "واتباع"؛ لأننا نقصد بلفظة "قول" القول الشرعي، وبلفظة "وعمل": العمل الشرعي ..

وهكذا، فهذا من القيود البيانية.

لكن هل الأفضل ذكره أو عدم ذكره؟

يقال: هذا بحسب الاقتضاء، فإذا شاع عند كثيرين دعوى الاتباع للكتاب والسنة على خلاف منهج السلف وفهمهم كان استدعاء ذكره استدعاءً مشروعاً ومقصوداً

إلخ.

وهذا هو المقصود، فإنه لا يقصد من هذا أن طالب العلم لابد أن ينفك عن هذا التعبير، حتى من التزم هذا التعبير في كلامه وتقاريره وكتبه ودروسه، فإن التزامه صحيح، وقد كان الشيخ الألباني رحمه الله يلتزم هذا التعبير في الغالب -فيما أحسب-، وهو التزام سلفي صحيح.

لكن إذا عبر معبر من علماء السنة والجماعة فقال: ومذهب السلف معتبر بالكتاب والسنة، فإنه لا يجوز أن يقال: إنه قد أخطأ، أو فاته التقرير لكلمة على فهم السلف الصالح، إلا إذا عُلم أنه كان يقصد عدم الاعتبار لفهم السلف.

وإذا قيل: إن من لم ينطق بكلمة فهم السلف الصالح يُتعقب ويقال: إنه لم يقرر التقرير المناسب، فإنه يلزم من هذا أن يتعقب الجمهور من السلف؛ فإن الناظر في كلام السلف وألفاظ الصحابة والتابعين والأئمة أنهم يذكرون الكتاب والسنة.

إذاً: لماذا لم يذكر أهل الطبقة الثالثة الفهم الذي سبقهم وهو فهم الطبقة الثانية؟ ولماذا لم يذكر التابعون الالتزام بفهم الصحابة؟ لم يذكروه لأنه معلوم علماً ضرورياً.

أما من يحتج ويقول: إننا إن قلنا الكتاب والسنة لم نميز أهل السنة؛ لأن أهل البدع يقولون: الكتاب والسنة.

نقول: حتى لو قالوا ذلك؛ فإن هذا لا يستدعي هجر هذه الاستعمالات؛ لأنها مستعملة في كلام الله ورسوله قبل أن نقول: إنها مستعملة في كلام أعيان السلف؛ فقد قال عليه الصلاة والسلام: (ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه) وقال: (فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله) ولم يقل صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: وسنتي، إنما قال: (وأنتم تسألون عني) فكان عليه الصلاة والسلام تارة يذكر القرآن، وتارة يذكر هديه، وتارة يذكر الكتاب والسنة

إلخ، وكل هذا حق.

وفي قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً} [آل عمران:103] قال جملة من السلف: حبل الله القرآن، ومنهم من قال: حبل الله الإسلام، ومنهم من قال: حبل الله السنة وهدي محمد، فهل نأتي ونقول: هذا تقصير في التحقيق، كان يجب أن يقولوا: حبل الله القرآن والسنة وفهم السلف؟ لا؛ فإن كل هذه المعاني صحيحة.

وكمثال على هذا: قال الإمام أحمد: "نصف الله بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله لا يتجاوز القرآن والحديث".

فهل يحق لأحد أن يأتي ويقول: فات الإمام ذكر الإجماع؟ الجواب: لا.

إذاً: هذه التعابير هي قيود بيانية إذا استدعت المصلحة إلى ذكرها ذكرت، وإذا لم تستدع المصلحة لا نقول: إنها لا تذكر، وإنما نقول: إن ذكرها أو عدم ذكرها أمر فيه سعة.

ونقول لمن يخطئ من لم يذكرها: دعك من فرضيات قد لا يكون لها وجود في الخارج، فإن من يلتزم ألا يذكر الإجماع ولا يذكر السلف ولا فهم السلف في كلامه لابد أن التفاته عن هذا الذكر في جميع كلامه يكون عن ابتداع وقصد للمخالفة.

إذاً هذه مسائل ينبغي أن تأخذ على هذا التحقيق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015