[ولهذا وصف الفرقة الناجية بأنها أهل السنة والجماعة].
وهذا في قوله صلى الله عليه وسلم: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي) وهذا الوصف من جهة الثبوت فيه نظر، فإن هذا الحرف فيه كلام للحفاظ من جهة ثبوته، لكن معناه معنى صحيح، فلا شك أن الطائفة المنصورة الناجية هم من كان على هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع الاسمين -السنة والجماعة- في سياق واحد؛ أي: أن هذا التركيب بهذا السياق لم يثبت، وإنما ثبتت الأفراد، ولثبوت الأفراد استعمل هذا الاسم في تعيين هذه الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة، وهذا الاسم حين يقال: إنهم هم أهل السنة ..
وهذا بيان لاتباعهم.
والجماعة ..
وهذا بيان لاجتماعهم، فإن السنة لابد فيها من اجتماع، والاجتماع لابد فيه من سنة، فهما أصلان متلازمان، ولذلك يقول شيخ الإسلام رحمه الله: "ولهذا كان الإجماع من أشرف أصول الاستدلال عند الأئمة، ومخالفه يكون على قدر من الضلال والبدعة بخلاف من خالف ما لم يظهر له من دلائل أو من آحاد الدلائل، فإن هذا مقام يقع فيه اجتهاد".
إذاً: لا يمكن أن تتحقق هذه الطائفة إلا بهذين الأصلين: الاتباع للسنه، والاجتماع على ذلك.
ولذلك من لم يحقق مقام الاجتماع فقد فاته كثير من السنة.
وهنا تنبيه إلى أنك قد ترى بعض السلفيين اليوم، وهذا لا يقع من علمائهم أو شيوخهم الكبار، بل يقع كنوع من -إن صح التعبير- الاندفاع أو التعجل من بعض الطلبة في بعض المدارس، فقد يقومون بتحصيل سنة مختلف فيها بين الفقهاء، وهذا التحصيل يستلزم تفويت مصلحة الاجتماع، فيكونون حصلوا سنةً يسيرةً مختلف فيها كالتشهد أو كالإشارة بالإصبع أو وضع اليدين على الصدر، وفوتوا في هذا مصلحة الاجتماع.
وهذا لم يكن من هدي السلف، فإن ابن مسعود -وهو من كبار أئمة السلف؛ لأنه إمام صحابي رضي الله عنه - أتم خلف عثمان، وما كان إتمام عثمان موافقاً للسنة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتم الصلاة في سفر قط، لكن عثمان رضي الله عنه أتم وتأول، وليس المقصود هنا بم تأول، بل المقصود: أن ابن مسعود وجملة الصحابة من بعده أتموا خلف عثمان، ولما قيل لـ ابن مسعود في ذلك.
قال: "الخلاف شر".
فمع أن هذه سنة مقصودة التحصيل إلا أن الاجتماع أيضاً شريعة وسنةٌ مقصودة التحصيل لابد من ضبطها، وهذه من قواعد الفقه: أنه لا تحصّل مصلحةٌ يسيرة مختلفٌ فيها بتفويت مصلحة كلية مجمع عليها؛ والعناية بالسنة مقام بيّن عند السلفيين اليوم، لكن ينبغي أن يؤكد العناية بالاجتماع على السنة؛ ولهذا ما يقع من افتراق كثير من السلفيين اليوم ليس افتراقاً شرعياً، ولا موجب له من الشريعة، ومسائل السلفية هي الإجماعات، والإجماعات لا ينبغي أن يختلف فيها، وليس فيها مادة قابلة للاختلاف.