قال رحمه الله: [ورءوسهم خمسة] أي: رءوس الطواغيت.
وقوله: [رءوسهم] الرءوس: جمع رأس، والرأس في كل شيء أعلاه.
فقوله: [ورءوسهم خمسة] أي: أعلى ما يحصل به الطغيان ويصدق عليه وصف الطاغوت خمسة أمور، واعلم أن قوله رحمه الله: [خمسة] ليس تحكماً من قبل نفسه، إنما هو بالاستقراء، وإلاّ فلو طلبت دليل ذلك في الكتاب والسنة لم تقف على دليل معين، إنما جاء ذلك بالاستقراء، وبتتبع ما قاله أهل العلم في بيان معنى الطاغوت تبين أنه يرجع إلى خمسة أمور، وهذا كثير في كلام أهل العلم، يذكرون أعداداً في أمور شرعية، وهذه الأعداد لم يرد بها نص، إنما عُرف هذا العدد وتُوصل إليه بالتتبع والاستقراء والنظر في الأدلة، وهذا شيء يستعمله كثير من أهل العلم والمحققين، ولا إشكال فيه.
قال رحمه الله في بيان هذه الرءوس الخمسة: [إبليس لعنه الله] .
هذا أول الطواغيت، واعلم أن إبليس هو أكبر الطواغيت وأعظمها شراً، وأخطرها أمراً، وأشدها طغياناً.
أما من أين للمؤلف رحمه الله أن إبليس من رءوس الطواغيت فنقول: إن جماعةً من السلف فسروا الطاغوت بالشيطان، ففي مثل قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ} [البقرة:256] ورد تفسير معنى الطاغوت عن جماعة من الصحابة بأن الطاغوت هو الشيطان، وكذلك في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء:51] ، وقوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} [النساء:60] ، وورد تفسير الطاغوت في هذه الآيات بأنه الشيطان عن ابن عباس، وعن غيره من السلف، ولا شك أن إبليس هو أصل الطغيان، كما قال الله جل وعلا حاكياً عنه: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:82] ، فقد تكفل وتعهد وأقسم بعزة الله عز وجل أن يضل بني آدم، وإضلالهم من الطغيان، ولا يكون إضلال إلاّ بطغيان، فهذا الرأس الأول، وهو أصل ما بعده من الطواغيت والشرور.