ثم بين المؤلف رحمه الله معنى الطاغوت الذي افترض الله جل وعلا على العباد الكفر به، ولم يبين معنى الإيمان بالله؛ لأنه قد تقدم بيانه في هذه الرسالة التي بين أيدينا بياناً واضحاً شافياً بالأدلة، لكن لما كان الكفر بالطاغوت يحتاج إلى بيانٍ فإنه خصه ببيانٍ وافٍ واضح.
قال رحمه الله: [قال ابن القيم رحمه الله: مَعْنَى الطَّاغُوتِ: مَا تَجَاوَزَ بِهِ الْعَبْدُ حَدَّهُ من معبود، أو متبوع، أو مطاع] .
هذا تعريف الطاغوت اصطلاحاً، وهو أحد ما قيل في تعريف الطاغوت، والطاغوت في الأصل مشتق من الطغيان.
والطغيان: هو مجاوزة الحد في كل شيء، وأصله (طغيوت) على وزن (فَعَلوت) ، فقدمت الياء فصار (طيغوت) ، وقلبت الياء ألفاً فصار طاغوت على وزن (فلعوت) ، وهذا من حيث الاشتقاق، أما من حيث المعنى الاصطلاحي فإن الطاغوت فسر في كلام السلف بمعانٍ عديدة، ولم يرد في كتاب الله عز وجل إلا ذمّه والأمر بالكفر به، وقد جمعت هذه التفاسير بما قاله ابن القيم رحمه الله في معنى الطاغوت، حيث قال: (الطاغوت هو كل مَا تَجَاوَزَ بِهِ الْعَبْدُ حَدَّهُ مِنْ مَعْبُودٍ، أو متبوع، أو مطاع) .
فقوله: (من) هذه بيانية لما يقع فيه التجاوز، سواءٌ أكان التجاوز في عبادةٍ بصرفها إلى غير الله، أم في غير ذلك.
(أو متبوعٍ) باتباعه على ضلالة.
(أو مطاعٍ) بطاعته فيما لا يجوز طاعته فيه.
وقد عرّفه جماعة من العلماء بتعاريف أخر، فقال شيخ الإسلام رحمه الله في تعريفه: (الطاغوت اسم جنس لما عبد من دون الله) ، وقال في موضع آخر: (الطاغوت اسم يطلق على كل ذي طغيان) ، وعرّفه أيضاً في موضع آخر فقال: (الطاغوت اسم جنس يدخل فيه الشيطان، والكاهن، والوثن، والدرهم والدينار) .
وأجمع ما قيل في تعريف الطاغوت أنه اسم جنس لما يعبد من دون الله، ولمن دعا الناس إلى ضلالة، سواءٌ أكان هذا الداعي من الشياطين أم من الإنس.
قال رحمه الله: [والطواغيت كثيرون] الطواغيت: جمع طاغوت، والطاغوت يطلق على الجمع والمفرد، لكن جمعه هنا باعتبار أجناسه، فأجناس ما يحصل به الطغيان كثيرة، وليست نوعاً واحداً كما سيبين المؤلف رحمه الله أصول ما يحصل به الطغيان في قوله رحمه الله: [ورءوسهم خمسة] ، والأصل أن يطلق ذلك على كل مجاوزة للشرع ولو لم تكن كفراً، وبه نفهم أن ما يحصل به الطغيان والطاغوت ليس على درجةٍ واحدة، فمنه ما هو كفر، ومنه ما هو شرك، ومنه ما هو معصية، ومنه ما هو بدعة.