قال رحمه الله: [بعثه الله إلى الناس كافة، وافترض الله طَاعَتَهُ عَلَى جَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنِّ وَالإِنْسِ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف:158] ، وأكمل اللهُ بِهِ الدِّينَ، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3] ، وَالدَّلِيلُ عَلَى مَوْتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر:30-31]] .
في هذا المقطع بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى الناس كافة عربهم وعجمهم، أبيضهم وأسودهم، وكل الناس يجب عليهم الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، سواءٌ أكانوا من أهل الكتاب، أم من غيرهم، فالواجب على كل من سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم أن يؤمن به، ولا يسعه إلا ذلك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ما من أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني يسمع بي ثم لا يؤمن بي إلا أدخله الله النار) .
وهذا فيه أنه يجب على كل من بلغه خبر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلم له، وأن يؤمن ببعثته ورسالته.
قال: [وَافْتَرَضَ طَاعَتَهُ عَلَى جَمِيعِ الثَّقَلَيْنِ الْجِنِّ وَالإِنْسِ] والثقلان: جمع ثقل، والثقل يطلق في لغة العرب على الشيء النفيس الذي له قيمة.
فسمي هذان الجنسان بهذا الاسم لمكانتهما وشرفهما.
قال: [والدليل على ما تقدم قَوْلُهُ تَعَالَى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا} [الأعراف:158] .
الدلالة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى الإنس قوله: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ) والخطاب موجه لجميعهم (إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا) ، وهذا العموم في قوله: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ) أكده بقوله: (جَمِيعاً) ، وأما الجن فالدليل على أنه مبعوث إليهم قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:107] ، والشاهد قوله: (لِلْعَالَمِينَ) ، والجن من العالمَ، ولا يدخل في العالمين الملائكة، ولا يكون رسولاً للملائكة، بل يقال: هذا من العام الذي أريد به الخصوص؛ لأنه معلوم قطعاً أنه لم يرسل إلى الملائكة، وهل يوجد دليل خاص يدل على أنه مبعوث إلى الجن؟ الجواب: نعم، وهي آية الأحقاف، وفيها أن الله صرف إليه نفراً من الجن، وكان مما قالوا لما رجعوا إلى قومهم: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف:31] ، فلم يكن هذا منهم إلا لما علموا أنهم مخاطبون بهذه الرسالة، ولا إشكال في هذا، فالأمة مجمعة على أن النبي صلى الله عليه وسلم مبعوث إلى الجن، كما أنه مبعوث إلى عامة الإنس صلى الله عليه وسلم.