افتتح الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هذه الرسالة المباركة بالبسملة كسائر رسائل أهل العلم ومؤلفاتهم، وذلك تأسياً بكتاب الله عز وجل، واتباعاً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وجرياً على ما سلكه سلف هذه الأمة من التيمن بالبداءة بذكر الله جل وعلا واسمه سبحانه وتعالى.
والبسملة؛ الكلام عليها معروف ومتكرر، وجعل بين يدي رسالته ومقصوده من بيان الأصول التي يجب تعلمها مقدمتين: المقدمة الأولى: بين فيها ما يجب على كل أحد تعلّمه، وهذه مقدمةٌ تمهيدية يحثّ فيها مطالعَ هذه الرسالة على لزوم الصراط الذي يكفل له النجاة، فهي تمهيد وتوطئة لما يريد بيانه في هذه الرسالة، فقال رحمه الله: [اعلم رحمك الله] ، وهذا من لطفه وحسن تأليفه ورفقه بمن يتعلم، فدعا للمتعلّم سواءٌ أكان قارئًا أم مستمعاً بالرحمة، وهذا منهج مهم وطريق لابد من التنبه إليه، وهو أن يكون المعلِّم والداعية إلى دين الله عز وجل شفيقاً رحيماً، وأن يشعر من يدعوه أنه يريد به الخير والهدى، ويريد أن يخرجه من الظلمات إلى النور؛ فإن هذا الأسلوب من أسباب قبول الدعوة، ومن أسباب قبول العلم، ولذلك قال الله جل وعلا في رسوله: {وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159] ، وينبغي أن يكون الداعية إلى دين الله عز وجل رءوفاً رحيماً، كما قال الله جل وعلا في حق نبيّه صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:128] ، فهذا وصفه الذي وصفه الله به، ولذلك أسر القلوب صلى الله عليه وسلم، وانقادت له الأفئدة قبل الأبدان.
قال رحمه الله: [اعْلمْ رَحِمَكَ اللهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْنَا تَعَلُّمُ أربع مسائل] فهذه مسائل من العلم العيني الذي يجب على كل أحدٍ؛ لأن العلم ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: علم عيني يجب على كل أحدٍ تعلمه.
والقسم الثاني: علم كفائي يجب على من تقوم بهم الكفاية تعلمه.
وضابط العلم العيني هو: ما لا يقوم دين المرء إلا به سواءٌ في العقائد، أو في الأعمال، أو في الأقوال.
فما لا يستقيم دينك إلا به يجب عليك أن تتعلمه مما يتعلق بعلوم الاعتقاد أو مما يتعلق بالعمل أو مما يتعلق بالقول.